تُسمي بعض الأسر أحد أبنائها بفاكهة البيت، ومن الأصدقاء من يسمون أحدهم بفاكهة المجلس، ولهذه التسمية أسبابها، فهو إما أنه يشيع جواً من المرح أو أنه يثري من حوله بما لديه من علم ومعرفة بأسلوب يشد انتباههم ويشكل حالة من المتعة والفائدة، وكما أن من البشر فواكه فكذلك من الكتابة ما يمكن أن نعتبره فاكهة الكتابة، وهذه الكتابة ليست الشعر الذي قد نتوقع أنه هو المقصود، فالشعر قد اكتسب صفة ديوان العرب، وارتبطت به وارتبط بها، وبهذا يكون ليس هناك نوع آخر غير المقال أو المقالة يستحق هذا اللقب فيما أرى. خصوصاً أنني من عشاق هذا النوع، وأنا لا أقصد بصفتي ممن يحاولون الكتابة بل بصفتي قارئاً وتلميذاً ما زال يقرأ بشغف، ومع كل قراءة أجدني أمام بحر لا ساحل له، فكل كاتب يعلم شيئاً لا تعلمه، وفي كل مقال زوايا رؤية تضعك أمام مشارب وقناعات وأساليب عرض وتناول وطرح يملك مفرداته الخاصة ولغته المختلفة، وصدق الله العظيم (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا). ومما لفت انتباهي في الفترات الأخيرة؛ التنوع في المواضيع الذي بدا واضحاً على المقالات في الصفحات الثقافية التي أصبحت فعلياً بساتين فواكه متنوعة تسر القارئ وتغذيه معرفياً وعلمياً وتساعده على ابتكار مقال جديد أو البحث في معرفة جديدة، وأخص هنا صحيفة «الرياض» التي حققت المعنى الحقيقي لمفهوم الصفحات الثقافية، وهو ليس تحيزاً وإنما رأي أقوله عن قناعة، وبكل تأكيد هناك صفحات أخرى تحضر بقوة وجودة محتوى، والشواهد يمكن ملاحظتها من خلال متابعة الصفحات الثقافية في الصحف السعودية. وبالعودة إلى فاكهة الكتابة، فقد أخذني الفضول لمعرفة كيف بدأ المقال الصحفي السعودي، وأين بدأ، وبالعودة إلى بعض ما كتب حول هذا الموضوع، وجدت إشارة إلى أن فن المقالة في المملكة العربية السعودية بدأ فعلياً أواخر عام 1924م مع إنشاء صحيفة أم القرى، ومن ثم جاءت بقية الصحف التي احتفت بفن المقالة بطرق مختلفة، وبأسماء عديدة منها على سبيل المثال أحمد العربي وأحمد السباعي ومحمد سرور الصبان وعزيز ضياء وغيرهم، وما زال هذا الفن والنوع الأدبي يحظى بمكانة واهتمام وتخصص له الصفحات في الصحف والمجلات على اختلاف اهتماماتها وتوجهاتها، وكيف لا يكون هذا والمقال فاكهة الكتابة. ونختم بالإشارة إلى أمر مهم جداً، وهو جدير ببحث علمي في أقسام الإعلام وأقسام علم الاجتماع، ويتمثل في أن كثيراً من الأفكار والنظريات والاختراعات بدأت من مقال.
