قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. علي بن عبدالرحمن الحذيفي –في خطبة الجمعة-: الرحمة كالعافية للأبدان وكالغيث للأوطان ولا صلاح للحياة إلاّ بها؛ والرحمة في الإسلام مطلوبة حتى لأنواع الحيوان، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة بغياً رأت كلباً في يوم يطيف بركية وهي البئر الصغير قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له خفها وسقته فغفر الله لها، فقالوا يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً؟، فقال: "في كل كبد رطبة أجر". وأضاف: الرحمة تعاون على كل فضيلة وتسابق على كل خير، وتتأكد الرحمة على الوالدين للولد برعايتهما الصحية وتعليمهما والحفاظ عليهما من قرناء الفساد وإلزامهما بالنشأة الإسلامية ليتأهل للحياة الكريمة، فالأسرة بناء المجتمع، وتتأكد الرحمة على الغني للفقير لسد حاجته، وعلى القوي للضعيف برفع ضعفه، وعلى القادر للعاجز وعلى الكبير للصغير وعلى ذي الجاه لمن دونه وعلى العالم للجاهل فيما يحتاجه، وعلى الولد للوالدين ببرهما والإحسان إليهما، وعلى من يقدر على قضاء حاجة المحتاج الملهوف، وعلى ذي الرحم لرحمه بأنواع الصلة والنفع المقدور عليه، وتتأكد الرحمة بين الزوجين لقوله تعالى: "وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً". وتابع: مبدأ الخيرات من الله، وتقدير المخلوقات شرها وخيرها بقدر من الله، فلله الحجة البالغة والحكمة التامة، قال الله تعالى: "مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"، وقال سبحانه: "فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا"، فإذا كانت الخيرات كلها بيد الله والمقادير كلها بقضاء الله وقدره والموت والحياة بيد الله والرزق بيد الله لا بيد غيره فكيف يلتفت القلب إلى غير الخالق المدبر الرحيم، وإذ قد تبين أنه لا يأتي بالخيرات والحسنات إلاّ الله ولا يدفع الشرور والسيئات ولا يعيذ من النار إلاّ الرب جل وعلا وأنه لا يكون في هذا الكون شيء إلاّ بأمر الله سبحانه وبعلمه، ولكن لا ينال ما عند الله من الخير إلاّ بالأسباب التي شرعها وأمر بها وجوباً أو استحباباً ولا يدفع الشرور والعقوبات في الدنيا والعذاب في الآخرة إلاّ بترك المعاصي والمحرمات.