ارتفع المؤشر العام للتضخم في المملكة بنهاية شهر ديسمبر 2023 الى 1.5 % على أساس سنوي، لكنه أقل من نسبة شهر ديسمبر 2022 والتي كانت عند 3.3 % على أساس سنوي، وإذا ما احتسبنا ارتفاع مؤشر التضخم في ثلاث سنوات نجد أن نسبة الارتفاع وصلت إلى 6.1 % بمعدل 2 % سنويا، وهذه النسبة تتماشى مع نسبة النمو الطبيعية للتضخم التي يعتبرها الاقتصاديون نسبة لا تؤثر كثيراً على المستهلكين وفي المقابل تحفز نمو الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية، والسؤال الذي يتردد دائما هل مؤشر التضخم يعبر عن تكلفة المعيشة الفعلية؟ المؤشر العام للتضخم يعبر عن الزيادة التدريجية في الأسعار، بينما تكلفة المعيشة تعبر عما تحتاج إليه الأسرة من إنفاق، وغير صحيح أن مؤشر التضخم إذا ارتفع بنسبة 2 % يعني بأن الأسرة سوف يزيد إنفاقها بذات النسبة، ولذلك يجب أن يكون لدينا مؤشر لقياس تكلفة الإنفاق الفعلية، البنك المركزي السعودي يصدر تقريرا أسبوعيا عن عمليات الشراء بواسطة نقاط البيع، ويحدد هذا البيان قيمة الإنفاق على المؤشرات حسب القطاعات الاستهلاكية وعدد العمليات، قمنا بعمل مقارنة عن الأسبوع الأخير في شهر ديسمبر من عام 2022 مع نفس الأسبوع ونفس الشهر من عام 2023 وجدنا أن تكلفة العملية الواحدة ارتفعت بنسبة 3.2 % مقارنة مع المؤشر العام للتضخم الذي ارتفع بنسبة 1.5 % وهذا التقرير يصلح أن يكون نواة لمؤشر إنفاق المستهلكين مع إضافة مؤشر الإيجارات السكنية والذي يمكن قياسه بدقة بعد تطبيق برنامج إيجار وإلزام المتعاقدين بدفع قيمة الإيجار من خلال التطبيق. حساب مقاييس تضخم أسعار المستهلك للمواد الغذائية يتم عن طريق استخدام سلة السلع التي تمثل استهلاك الشخص العادي، إلا أن التركيبة الفعلية للإنفاق تختلف اختلافا كبيراً حسب شرائح الدخل، فالأسر الأقل دخلاً تنفق على سبيل المثال نحو 35 % من دخلها للحصول على سلة المواد الغذائية، أما الأسر الأعلى دخلاً، فلا يتجاوز نسبة إنفاقها على سلة المواد الغذائية 20 % من دخلها ولذلك نعتقد أن استخدام سلة السلع يمكن أن يقيس تكلفة المعيشة على الأسر بدقة أكثر ويمكن استرجاع بيانات الأسعار لسنوات ماضية لدى المتاجر الكبيرة وعمل مقارنة من شأنها معرفة الزيادة الفعلية في التكلفة المعيشية، أيضا قياس نسبة التأثير على الأسر حسب دخلها فمثلا زيادة 10 % في قيمة السلة الغذائية سنويا على أسرة دخلها 5000 ريال يعني زيادة إنفاق بنسبة 2 % من الدخل بينما النسبة لا تمثل إلا 1 % من دخل أسرة في حدود 10,000 ريال مثل هذه الإحصائيات تعطي مؤشرات أكثر دقة عن تأثير التضخم الفعلي على المستهلكين، نأتي إلى تأثير الإيجارات السكنية على تكلفة المعيشة، خلال عام 2023 ارتفعت تكاليف أسعار الإيجارات السكنية بنسبة 9 % بينما زادت النسبة إلى 12 % في إيجارات الشقق على مستوى المؤشر العام وزادت بنسبة 22 % خلال 3 سنوات، أما عند مقارنة الأرقام في مدينتي الرياضوجدة خلال 3 سنوات نجد نسبة ارتفاع الإيجارات بلغت 30 % في الرياض و24 %، أما زيادة أسعار الشقق السكنية على مستوى المدن لم يتم قياسه في التقرير الإحصائي للتضخم، ولكن نعتقد حسب تحليلنا أن أسعار إيجارات الشقق السكنية خلال الثلاث سنوات زادت في الرياض بنسبة 50 %، وفي جدة بنسبة 42 %، وبقياس التأثير الفعلي على الأسرة نجد أن الأسرة التي تسكن في هاتين المدينتين ودخلها الشهري 5000 ريال أصبح الإيجار يستقطع أكثر من 40 % من الدخل، الدولة دعمت برامج الحماية الاجتماعية وأخذت في عين الاعتبار هذه الزيادات، ولكن توجيه الدعم للأسر الأكثر احتياجاً يجب أن يأخذ في الاعتبار مؤشرات أسعار المستهلك وأهمها الإيجارات السكنية التي أصبحت تشكل أكبر تهديد للأسر، حيث تشير الأرقام أن عدد طلبات التنفيذ لإخلاء العقارات من المستأجرين المسجلين في عقد الإيجار الموحد في المملكة نحو 33.6 ألف طلب خلال عام 2023. أما مستقبل التضخم خلال العام الحالي متوقع مواصلة الصعود وربما نرى أرقاماً أعلى من أرقام 2023، حيث إن الأحداث الجيوسياسية في البحر الأحمر واستهداف السفن من قبل جماعة الحوثيين تسببت في تغيير مسار السفن من البحر الأحمر إلى طريق "رأس الرجاء الصالح"، حيث تواجه زيادات هائلة في تكاليف الشحن البحري، ووفقا لكبير المحللين في مؤشر زينيتا للشحن، بيتر ساند، فإن تكلفة نقل البضائع يمكن أن تشهد زيادة في أسعار الشحن البحري بنسبة تصل إلى 100 %، إضافة الى زيادة عدد أيام الشحن من 10 الى 15 يوماً وهذا قد يؤثر على سلاسل الإمداد ما قد يتسبب في زيادة أسعار المواد المستوردة.