يعتقد المستشرق والدبلوماسي الهولندي مارسيل أو مرسال الشمري كما يلقب بأن الشاعرية والتأملات المحلّقة غريبة عند بدوي جزيرة العرب ويستشهد بجزع الرحالة الإنجليزي ثيسيغر من عمى ادلائه العرب من جمال الطبيعة ففي طريق عودة ثيسيغر من الربع الخالي – أكبر صحراء رملية في العالم – كانوا يسيرون راكبين على مرتفع ينداح تحته سهل تكسوه خضرة مترعة – أليس هذا جميلا؟! طرح ثيسيغر هذا السؤال على أحد مرافقيه. نظر الرجل، وأعاد النظر ثم قال أخيرا "كلا" إنه مرعى سيىء إلى حدود اللعنة. ويفوت على ثيسيغر كما يقول أن يذكر أن تدرج الخضرة في بساط العشب ليس هو الحاسم في ما يرغب الجمل في أن يأكله، بل المقال والمغذيات ولو حتى وجدها في نباتات وسويقات ذابلة تعيسة المنظر. عند ثيسيغر كان هذا دليلا على أن للبدوي عيناً على ثراء لغته وحدها لكنه يفتقد تماما من الإحساس بالطبيعة – لون الرمال – الغروب – القمر منعكسا في البحر، مثل هذه الأشياء لا تثيرهم أو تعني لهم شيئا. ومن هنا لدى ثيسيغر قلق على المستقبل ويرى دوما ما يؤكده في غياب الذائقة لدى وحوشه النبلاء. ويمضي إلى أن ثيسيغر يعجب بهم لثقافتهم غير الملوثة. ولكنه في الوقت نفسه خائف من أنهم في أول سانحة سينفضون أيديهم من الطبيعة. ومثل كائنا الإمبراطور بوكاسا المدجنة سوف يقبعون ويدخنون السيجار في اقفاص اختاروها بأنفسهم. الى هنا يخبرنا مارسيل أنه استطلع من صديق سعودي عن هذه البقعة العمياء في الحس العربي . فكان الأمر بسيطاً عنده: في الصحراء بخلاف إنكلترا .. من الطبيعي تماما أن تهبط الشمس وراء الأفق مثل بالون أحمر يوما تلو يوم ومثل هذا التوقيت عند العربي كان الأمر بسيطاً عنده: في الصحراء بخلاف إنجلترا من الطبيعي تماما أن تهبط الشمس وراء الأفق مثل بالون أحمر يوما تلو يوم. ومثل هذا التوقيت عند العربي يكون وقت أداء فريضة الصلاة. لا للاستغراق في تأملات محلقة بعيدة. فنوع الجمال الطبيعي الذي يغمر ساكن الصحراء جذلاً هو مشهد الأراضي المنخفضة بعد استصلاحها من البحر في هولندا. وكان أصدقاء من الجزيرة العربية يجبرونه كما يقول على التوقف على الطريق السريع قرب شيبول (مطار أمستردام) لتمكينهم من استهلاك لفة فيلم كاملة في تصوير ذات القوائم الأربعة التي تسرح بعيون ناعسة في المراعي الخضراء. ثم يمضي إلى أن عربي الصحراء واقعي. واحساسه بما هو جميل يحدده استعمال الأشياء استعمالا عملياً. فالخلق كله موجود لفائدة الإنسان. ولكن لا شيء يحدث إلا إن شاء الله. لذا فهم في أيام المحن حين يستمر الجفاف سنوات، ليس للإنسان من خيار سوى التحلي بالصبر والتضرع إلى الله أن ينزل رحمته (المطر). ومن يرد أن يدخل الغبطة والسرور في قلب سعودي في أول رحلة له إلى الخارج فعليه أن يدبر رحلة عناوينها البارزة سماء رمادية تهطل مطرا مدرارا وريح نشطة ووفرة من العشب وبحيرات واسعة من الماء العذب و..... و... وفي جولة كهذه سرعان ما يكتشف السعوديون أن هولندا قريبة جدا من صورة الجنة في أذهانهم. وقبل نعمة الإسلام كانوا يربطون الجحيم بالشمس كانوا يصورون الشمس على إنها ساحرة شمطاء شريرة وشبقة.. ولأنها عاقر فإنها تضمر حقدا لاهباً على كل حياة أطفالهم. المطر رحمه ثيسيغر من الربع الخالي سعود المطيري