بخلاف الرياض، لم أتمكن قط من ضبط سعودي في الاقاليم يهمل فروضه الدينية. ولا حتى مرافقي خالد نفسه. وهو الذي كان يتركني أحيانا أنتظر وهو يركع على بعد خطوات قليلة مني باتجاه الكعبة. هكذا بدأ المستشرق والدبلوماسي الهولندي مارسيل كوبر شوك أو (مرسال الشمري) كما يحب أن يسمى وصفه لأجواء الصلاة في السعودية مضيفا: وقد اعترف الرئيس بوش (الأب) ذات مرة أمام جمع من المعمدانيين (طائفة مسيحية تستقر في الولاياتالمتحدة) أنه لم يتحرر من خجل الظهور العلني أثناء الصلاة، ولم يعد يهتم بنظرات الآخرين وهو مستغرق في صلاة حارة، إلا بعد حرب الخليج. ولا يعاني المسلمون من مثل هذا التحرج. والحق أن مرافقي خالد والقول لمرسال الشمري كان يحب أن يتم تصويره وهو راكع وراحتا يديه مبسوطتان في الدعاء. كانت النتيجة كما يقول مرسال في كتابه البدوي الأخير أنني، المُشاهد، من شعر بكوني غريبا خارج المكان. وقد عشت لحظات من الوحدة الاشد وطأة، بين السعوديين وقت الصلاة. لم يكن الأمر سيئًا للغاية في المدن والقرى. فهناك كنت أوضع في عهدة فتيان يبقون في المجلس حين يغادر الرجال للصلاة في مسجد قريب. ولكن في الصحراء كانت الصلاة تقام تحت انفي. معرفتي باللغة، كوفيتي وثوبي لم تعد ذات نفع الى حينذاك. فلقد كان الرجال يقفون لأداء الصلاة وانا اراقبهم ولكنني لم أستطع التخلص من الاحساس بكوني نشازا. في المساء الاول عند خالد كما يقول ، وقف الرجال في صف طويل، على بعد خطوات قليلة وراء المطوع، الذي يؤم الصلاة، بوصفه خيرهم اعدادا في الدين. ومن موقعي على جانب الصف تفتّح أمامي مشهد مؤثر: ذلك البساط الطويلة تحت سماء مرصعة بالنجوم، والظهور المنحنية بخشوع صوب الكعبة. كان للمطوع صوت لطيف وجوّد آيات من القرآن تجويدا شجيا، لم يفرط في التلفظ الأنفي بل ما يكفي لإثارة شعور غريب للتنسك وقدر من الرهبة كما لو ان المطوع كان يجوّد لي قائلا: إذا رفضت فذنبك على جنبك او كلمات بهذا المعنى.. في نهاية الخطبة ظل جالسا في مكانه بزاوية 90 درجه نحوي.. ذراع تستند الى الوسادة وفي يده الاخرى سبحه ونظره روحانيه تتوهج برفق في عينيه في غضون ذلك تمتم أحاديث وآيات من القران بصوت خافت مع نفسه سمعته يهمهم "ربنا اغفر لنا" كأنه يطلب الصفح من النجاسة والرجس اللذين حمله معهم كفار مثلي. وراءه كان صف الرجال يؤدي الشعائر الأخيرة رددوا الدعوات المطلوبة واداروا وجوههم ذات اليمين وذات الشمال وركعوا مرات اخرى ودفعوا اجسادهم بأصابع اقدامهم العارية وضغطوا جباههم بقوه على الأرض.. بهذه الطريقة تظهر الندية او سيماهم من إثر السجود التي يتعرف بها الله الى المسلمين.. السعوديون الاكبر سنا يحرصون كقضيه شرف على ابداء الخشونة التي اوصى بها الخليفة عمر بالمشي اطول فتره ممكنه بعد الصلاة مع ذرات من الرمل عالقة على الجبين من اداء الصلاة على جانب الطريق. تكرر الشيء نفسه مع البدو الذين يعيشون في عمق الصحراء.. ذلك المساء راقبت مرة اخرى اصطفاف الرجال للصلاة وبعد 20 دقيقه كانوا يقتربون من نهاية الصلاة حين تعرض أحد الجمال التي كانت تنظر بفضول خارج دائرة الضوء المنبعث من مصباح الغاز الى ركله من أحد اقرانه فجفل وانطلق راغيا. لقد قوطعت الصلاة وعلى هتافات التكبير جرى أحد الخدم السودانيين على مطاردة البعير ولجمه وما ان اعيد الهدوء وأكملوا ما تبقى من الصلاة بدا الامام خطبه طويله.. الصبيان الذين كالعادة يحيطونني بصحبتهم اصطفوا ايضا وراء الرجال في نهاية الصلاة لتقليد حركات الكبار كأنهم قرود صغيرة ولكنهم عادوا خلال الخطبة وسألوا: لماذا لا تصلي؟ ارادوا ان يعرفوا.. فأنقذني من النقاش اللاهوتي، الجدي الذي جيء به على طبق معدني ذي قعر مدور عريض. والرز الذي جثم عليه الجدي وهو منقوعا على نحو سخي بلبن الإبل. الاصطفاف للصلاة في عمق الصحراء سعود المطيري