انطلق الإسلام بكلمة تحمل في أفقها الحياة والسلام والرقي والريادة للبشرية قاطبة، فلم يكن في يوم من الأيام دين عنف أو قتل، كما لم يكن دين حرب وقتال، فالحرب لم تكن خياراً بل كانت حاجة للدفاع عن النفس وعن الديار وعن الأرض، ومن هنا لم يكن قرار الحرب في الإسلام قراراً اعتباطياً أو نابعاً من مسألة الثأر أو رغبة في الهيمنة أو تحقيق مكاسب كما كان سائداً آنذاك بين القبائل المتقاتلة والمتناحرة، بل إن الله تعالى عندما شرع القتال فكان دفاعياً، وذلك بعد ثلاث عشرة سنة من اضطهاد المسلمين في مكةالمكرمة وتهجيرهم من بيوتهم وسبي نسائهم ومصادرة أموالهم، فجاء الإذن للمسلمين للدفاع عن أنفسهم في السنة الثانية من الهجرة في قوله تعالى:» أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله». رؤية الإسلام للحروب إن المبدأ الذي دعا الإسلام إلى ترسيخه والحفاظ عليه هو السلام للحفاظ على حياة البشر واستقرار المجتمعات والدول ووضع حد الحروب وتداعياتها على البلاد والعباد، فالحروب نيرانها إذا أوقدت لا تبقي ولا تذر، كما أن المسلمين لم يفتعلوا الحروب في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار ولم يبادروا في إعلانها، فرغم المآسي التي تعرض لها المسلمون إلا أنهم صبروا وهاجروا ليوصلوا الرسالة وليبينوا للعالم أن الإسلام لم يأتِ للقتل وسفك الدماء، بل على العكس من ذلك جاء ليحفظ دماء البشرية، حتى أنه حرم الاعتداء والظلم، فهو القائل عزوجل: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين». فالحرب في الإسلام ليست الأصل بل استثناء عن الأصل وهو ترسيخ مبادئ السلم، فهو القائل جل جلاله: «ادخلوا في السلم كافة»، لذلك فالحرب في الإسلام لها أحكامها المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حتى لا تكون هناك تجاوزات وتتعدى أسبابها وأهدافها. ولقد تحمل المسلمون ما تحملوه حتى لا تصل الأمور إلى حروب مدمرة لا منتصر فيها، بل إن الوصايا التي فرضها رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) على صحابته حتى في خضم الحروب المفروضة عليهم لهي الدليل القاطع على إنسانية الإسلام وحرصه على أمن الإنسان وإن كان عدواً، فهو القائل (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): « اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ» وكل هؤلاء بالمفهوم العصري هم المدنيون الذين يحرم التعرض لهم. صلاحية اتخاذ قرارات الحروب وحدودها لا شك أن المولى عزوجل عندما شرع القتال الدفاعي كما قلنا، كان بعد سنوات من الضيم التي واجهها المسلمون، ولكن بالنظر إلى التوقيت فإن لله حكمة، فلو أعلن المسلمون القتال في مكة لتم القضاء عليهم، لأنهم كانوا في كفة ضعيفة من جهة ولقضت قريش على الإسلام مبكراً من جهة أخرى، فالتوقيت كان مهماً جداً، كما أن المسلمين لم يكن لديهم العدد الكافي ويفتقرون للتجهيزات العسكرية التي ينبغي أن يواجهوا بها ظالميهم، وحتى بعد الهجرة فلم يأذن الله مباشرة بالقتال بل بقي المسلمون سنتين في المدينة فأسسوا دولة قوية بعد تحقيق الوحدة بين المهاجرين والأنصار، حتى أذن الله لهم ليتهيؤوا ويدفعوا عن أنفسهم وديارهم وأموالهم تلك الاعتداءات، فلم يكن افتعال الحرب من جهة المسلمين، بل إن رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) كان حريصاً على عدم إراقة الدماء، بل وعدم الاندفاع إلى القتال وكان يبذل كل الوسائط الدبلوماسية والمحاولات لتحقيق السلم، فلم يبدأ الحروب والقتال لما في ذلك من كراهة، فعقيدة الإسلام تقوم على السلام وما فرضت الحروب فيه إلا للدفاع عن الوطن والإنسان، وبالعودة إلى التاريخ والسيرة النبوية الشريفة نجد أن الحروب في مفهوم الإسلام تستلزم أركاناً ثلاثة تتمثل في العدة والعتاد والعودة إلى ولاة الأمر ودليلها: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»، كما أن قرار الحرب والقتال لم يتخذه المسلمون بل كان إذناً من الله تعالى لرسوله الذي دعا المسلمين إلى الدفاع عن أنفسهم، فالقرار ينبغي أن يتخذه أولي الأمر والمسؤولون في الدولة الذين يدركون خطورة التوقيع على هذه الخطوة لما لها من تبعات حساسة، فيدرسون الأوضاع وأبعادها ونتائجها قبل خوضها، فهم على قدر المسؤولية ولا يمكن أن يلقوا بشعوبهم إلى التهلكة، لذلك فهناك جهاد محرم وهو الذي لا يقوم على الأركان الثلاثة والذي يقوم به البعض دون إذن ولاة الأمر وهو معصية لله «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» ما يتسبب بمهلكة العباد والبلاد. *الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي