قطاع الإسمنت من القطاعات المهمة للتنمية العمرانية وعنصر أساسي في جميع مراحل البناء، وتعد المملكة من الدول التي أولت صناعة الإسمنت اهتماما ودعما هو الأفضل بين دول العالم من أجل تحفيز هذه الصناعة وجعل القطاع جاذبا للاستثمار، وذلك بتذليل كافة العقبات وتوفير كل التسهيلات وأهمها الدعم الكبير للوقود الذي يمثل نصف تكلفة الإنتاج، ويعتبر الإسمنت المنتج بالمملكة من أقل الإسمنتات بالعالم من حيث التكلفة والأسعار، ولكن مع توجه الدولة إلى التركيز على ترشيد استهلاك الوقود في المملكة ومحاربة الهدر تم رفع جزء بسيط من الدعم، ما تسبب في تعرض الشركات إلى تقلبات غير مسبوقة في المبيعات وزيادة تكلفة الإنتاج، وصلت إلى تسجيل بعضها إلى خسائر مالية، والدولة سمحت للشركات بالتصدير لمادة الإسمنت أو الكلنكر بعد تراجع المبيعات ولكن واجهت الشركات عقبات عدة في قدرتها على التصدير هو أن دول المنطقة تواجه مشكلات جيوسياسية أو مالية، ما أدى إلى تراجع الطلب على منتجات شركات الإسمنت السعودية بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة النقل للشركات التي ليست على السواحل البحرية، في الربع الثالث من عام 2022 ارتفعت قيمة مبيعات الإسمنت بنسبة 22 % مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق بينما ارتفعت كميات الإسمنت المبيعة محليا بنسبة 7 % نتيجة زيادة الطلب على مادة الإسمنت مع توسع الدولة في منح القروض السكنية وبرامج وزارة الإسكان التي مكنت 62 % من الأسر على تملك المسكن، هذا العام غيرت سكني برامج الدعم وأطلقت مصفوفة دعم جديدة لا تدخل في تحمل تكلفة الفوائد على القروض ومع الزيادة الكبيرة في أسعار الفائدة أصبحت تكلفة القروض كبيرة جدا ما تسبب في توقف الكثير من المواطنين على الحصول على القروض السكنية، وتراجعت القروض السكنية بنسبة 41 % وهذا انعكس سلبا على الإنشاءات السكنية حيث تأثرت بها شركات الإسمنت وانخفضت مبيعاتها ولو نظرنا إلى الرسم البياني للأرباح المجمعة لشركات الإسمنت نرى التراجع مستمرا منذ بداية العام الحالي وفي اعتقادي أن الأثر سوف يستمر خلال الفترة القادمة ما لم تنخفض تكاليف الإقراض أما بخفض أسعار الفائدة أو بتحمل الدولة جزءاً من هذه التكاليف، ولكن في المقابل يجب أن تتحرك شركات الإسمنت لترشيد استهلاك الوقود وإعداد استراتيجيات وآليات لخفض النفقات ورفع الأرباح إما باستخدام الوقود البديل أو استخدام الغاز الأقل تكلفة من الوقود الثقيل الذي تستخدمه شركات الإسمنت، وكذلك التفكير في عمليات الاندماج وخصوصا بين الشركات الصغيرة التي تعاني من قدرتها على المنافسة، المملكة لديها استراتيجية طموحة من أجل تخفيض استهلاك النفط محليا والاعتماد على الغاز الطبيعي والطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء والصناعة وقد بدأت فعليا شركة الكهرباء في استخدام الغاز الطبيعي ومتوقع حسب استراتيجية وزارة الطاقة أن يصل إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي إلى 50 % من حجم الإنتاج بحلول عام 2030 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة والاستفادة من النفط في التصدير. الأرباح المجمعة لشركات الإسمنت في الربع الثالث تراجعت بنسبة 42 % مقارنة مع أرباح الفترة المماثلة من العام السابق، تراجعت أرباح جميع الشركات ما عدا إسمنت الشرقية التي ارتفعت أرباحها بنسبة 106 % حيث باعت الشركة خلال الربع الثالث حوالي 537 مليون طن من مادة الإسمنت محليا بنسبة نمو 27 % عن الفترة المماثلة وحققت أرباحا استثمارية من المرابحة بحوالي 3 ملايين ريال، والشركة الأخرى التي حققت في الأرباح هي شركة إسمنت الجوف التي حققت 29 مليون ريال بنسبة نمو 389 % مقارنة في الفترة المماثلة لكن الأرباح تضمنت حوالي 9.5 ملايين ريال عبارة عن مكاسب ناتجة عن جدولة مديونية وزارة الصناعة والثروة المعدنية خلال الفترة، وارتفاع قيمة المبيعات نتيجة ارتفاع متوسط سعر البيع وارتفاع الكميات المبيعة من مادة الإسمنت بنسبة 4 % وانخفاض تكلفة المبيعات، إسمنت اليمامة وهي من أكبر شركات الإسمنت حققت مبيعات لمادة الإسمنت في الربع الثالث بحوالي 2 مليون طن بنسبة نمو 13 % عن الفترة المماثلة ولكن تراجعت أرباحها الصافية إلى حوالي 41 مليون ريال شملت الأرباح بيع ممتلكات ومعدات بحوالي 10 ملايين ريال ورد مخصص زكاة بحوالي 19 مليون ريال، ما يعني أن الشركة لم تحقق إلا 12 مليونا صافي أرباح بتراجع وصل إلى 88 % قروض الشركة من البنوك التجارية في الربع الثالث 894 مليون ريال، بلغت تكاليف خدمة الدين أكثر من 10 ملايين ريال، إسمنت العربية تمكنت من المحافظة على مبيعاتها ولكن مع تخفيض سعر البيع، أما إسمنت ينبع فقد انخفضت كميات الإسمنت المبيعة بنسبة 16 % ولكن الأرباح تراجعت بأكثر من 77 % بسبب تكاليف التمويل وبالتأكيد انخفاض سعر البيع مع أن الشركة لم تذكر هذا السبب في إعلانها، ولكن بعد الرجوع إلى القوائم المالية للشركة وتحليل قائمة الدخل لم نجد أي سبب جوهري للتراجع الكبير في الأرباح إلا انخفاض الكميات المبيعة ومتوسط سعر البيع.
