يعتبر مقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بعنوان: مصادر القوة الأميركية، شاهد على مكونات الضعف التي صارت تعتري الولاياتالمتحدة منذ مجيء بوش الابن الذي أهدر إنجازات من سبقوه. وأنا اتذكر أبوه جورج بوش، عندما زار الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، وحديثه مع المجتمع السعودي، الذي انبهر بما سمعه عن السياسة التي اتبعتها الولاياتالمتحدة بعد غزو العراق للكويت وحتى تحريره، حيث كان واضحاً من مداخلات أصحاب الأعمال ليس فقط الإعجاب، وإنما الحب الذي يكنه المجتمع السعودي لأميركا. ولكن بعد ذلك بدأتْ السياسات غير المسؤولة تأخذ طريقها وعلى رأسها غزو أفغانستان، وجر جيوش الحلفاء في أوروبا إلى هناك. ومن ثمّ، وبدون تخويل من مجلس الأمن تم احتلال العراق، وجاءت جيوش الدول الأوروبية مرة ثانية لمناصرة واشنطن. وأصبح سلوك القطيع هذا يتكرر، رافعاً معه في كل مرة فاتورة التكلفة الاقتصادية. طبعاً مستشار الأمن القومي في مقاله، لا يشير إلى ذلك وهذه مشكلته. فهو أشبه ما يكون بأحد موظفي الاتحاد السوفيتي، خلال العقود الأخيرة من عمره، وخاصة في فترة بريجنيف، حيث كان كبار الموظفين يبالغون في كيل المديح لرؤسائهم، ويجيرون العبرات في هذا المجال تجييراً. فهو في مقاله كان بين العبارة والتي تليها يمدح رئيسه، كما كان يفعل كبار الموظفين السوفيت. إن أخطاء أميركا، التي يتحدث عنها جيك سوليفان لم تكن هفوات، أو سوء تقدير من هذه الإدارة أو تلك، وإنما أخطاء يمكن أن نسميها نظامية بعد الابتعاد عن روح المؤسسين والزعماء الذين جعلوا من أميركا عظيمة. إنها أخطاء ناجمة عن نشوة النصر، عندما اعتقدت أميركا انها قضت على منافسيها عام 1991، وظنت أن التاريخ قد انتهى. لذلك استسلموا لمعادلة الخليفة العباسي هارون الرشيد: أمطري أنى شئتِ، فسوف يأتيني خراجك. وهذا كله أدى لزيادة الأعباء وارتفاع تكلفة الفاتورة الاقتصادية ليس فقط على الولاياتالمتحدة، وإنما على حلفائها. وهكذا جاءت أزمة الرهن العقاري عام 2008، لتقصم ظهر البعير -كما يقول المثل-. الأمر الذي فسح المجال للصين لتصبح القاطرة التي تجر وراءها الاقتصاد العالمي بدلاً من الولاياتالمتحدة. ففي عام 2006، تعدى الناتج المحلي الإجمالي الصيني حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة وفرنسا، لتصبح الصين رابع أكبر اقتصاد في العالم. وفي عام 2007 تخطت الاقتصاد الألماني لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وفي عام 2010 أزاحت اليابان وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وهذا أدى إلى دخول النظام العالمي في مرحلة انتقالية، أهم سماتها التنافس الشديد بين الولاياتالمتحدةوالصين. فالثانية تسير بخطى ثابته للحلول محل الأولى كأكبر اقتصاد في العالم، وبالتالي هي في وضع الهجوم. أما الولاياتالمتحدة، فإنها ولأول مرة منذ عام 1945 تتحول إلى الدفاع. وهذا واضح من المقال الذي كتبه سوليفان وإن بعبارات أخرى.