ناس زمان الطيبين ومقتطفات من حياتهم البسيطة وبعض قصائد شعرائهم ومقتطفات من مسامرة ناس زمان على نور القمر والكوكب الساري تفيض مشاعرهم حتى وأن لم يكونوا شُعارا، هذا يقول في قصيدة مطولة البدع: البُر له فاقة وقوة تناله، ياهل البجيدا عزلو البُر ضاوي، الرد: أنا أشهد أن الفيد قوة تناله، بعض الفوايد ماتجي بالرضاوي، وآخر يقول من قصيدة مطولة بدع ورد ناخذ منها بيتين يقول البدع: اخيل قاصي الحز سرى بريقه من شاف ذاك البرق لا ما ادرك مات الرد اللي نحبه مجر سراب ريقه العذب بين الخلق لامد رقمات، وآخر يقول: (يا راعي القهوة سرى عقلي ينشرح خاطري إذا سمعنا صلتك في البيت يانجري، من أعذب قصايد زمان) كنا صغار سن نسمع تلك المسامرة على نور القمر والفوانيس وعلى صوت الطبول قدور المطبخ يقضون ليلهم في أنس وسعادة ومع قرب الفجر وصوت شقشقة العصافير والقُمري وصوت الهوند وراعية البيت تحضر القهوة العربية المبهرة بالهيل والقرنفل والنخوة والخضيراء وتحضير (السحين تمر معمول بالجلجلان السمسم في لغة الحاضر) وتحت ظل العشة وعلى القعايد وتخته من الخشب وفناجيل القهوة والشربه المصنوعة من الفخار محوجه بالحوار وما أن يعود رب البيت من المسجد إلا وقد جهزت راعية البيت هذه الجلسة الجميلة تنادي عليه (يامخلوق) ترى كل شيء جاهز وكانت الزوجه ما تذكر اسم زوجها ولم أجد لذلك تفسير إلا الحياء في هذه الجلسة الرومانسية يتخللها خطة عمل اليوم إذا كانت البلاد قد شربت سيلا يبدأ راعي البيت في تجهيز الضمود والضماده العود والمضمدة والجلب وحب الِذرى من الذُرة والبقر في وضع ثنائي وراعية البيت تبدأ بتجهيز وجبة الإفطار للضمادة قرصان خمير معمول في التنور من حب الذرة حب البلاد مع القهوة وهي الإيدام تساعد على بلع الطعام ثم تحملها مع الماء في القرب على ظهر الحمار وتنطلق بها إلى البلاد ثم تعود لتجهيز وجبة الغداء لم يشعروا رجال زمان ونساء زمان بتعب ومشقة في العمل (وهم يجدون في البيت الكلمة الطيبة وتبادل اابتسامات والراحة النفسية) كما أن الزوجة تنتظر قدوم زوجها بفارغ من الصبر وهوا يكيل عليها من المديح والثناء ويناديها بأحب الأسماء لها يساعدها في البيت بدون مقاصد ولكن حُب ومشاعر وأحاسيس متبادله ما هناك مصلحة لا راتب ولا مال يجمعهم بيت من القش صغير متواضع بدون حوش والنوم في القبل محبب عندهم فهم يتسامرون على نور القمر والكوكب الساري بقلوب صافية ومشاعر فياضة كان للزوجة عندهم احترام وتقدير لها ولأهلها وعشيرتها ناس زمان يتحلون بالأخلاق الفاضلة وحسن المعاشرة للزوجة فقدنا الشيء الكثير من تلك العادات والروابط الأسرية وهذه ضريبة الحضارة لا نرى النجوم ولا القمر ولا السماء ولا التفكر في مخلوقات الله في بيوت فارهة شغلتنا الدنيا ومتاعها عن الكثير من إيجابيات زمان اليوم الجار لا يعرف جاره ولا أقاربه والبعض لا يتقابلون إلا في المناسبات إلا من رحم الله.