لا شك في أن القمة العربية التي ستستضيفها المملكة اليوم، ستعقد في وقت حرج عطفا على الأحداث العالمية من حيث التطورات غير المسبوقة واتساع تأثيرها وتداعياتها التي تنعكس على المنطقة العربية بشتى الطرق وبدرجات متفاوتة. تعقد قمة جدة، بمشاركة سوريا بعد تجميد عضويتها زهاء 12 عاما، وهو ملف مهم، يرسم التوجه الحالي نحو "تصفير المشكلات" في المنطقة، بالتوازي مع الاتفاق السعودي – الإيراني بضمانته الصينية وما يرافقه من عمليات تهدئة في المنطقة. تعقد قمة جدة وقت تواجه فيه القضية الفلسطينية تحديات كبيرة في ظل حكومة إسرائيلية لا تؤمن بحل الدولتين، وتصاعد التوترات وتصعيد العنف والقمع ضد الفلسطينيين، إذ بلغ التصعيد ذروته خلال شهر رمضان، عندما شاهد العالم بأسره مستوطنين ومتطرفين يقتحمون المسجد الأقصى في استفزاز صارخ لكل العرب والمسلمين وليس الفلسطينيين فقط، كما تتابع الدول العربية بحزن شديد الأزمة المؤسفة التي اندلعت في السودان، والتي تشكل تهديدا لوحدة البلاد وسلامة مقدراته. الشعوب العربية بانتظار قمة عربية تاريخية لائتلاف الموقف العربي، ولمّ الشمل، وإعادة ترتيب الملفات، وحصار الخلافات وتذويبها، بما يلبي تطلعات العرب من المحيط إلى الخليج ممن تشخص أبصارهم نحو جدة، يحدوهم الأمل والرجاء لتوحيد الأمة على كلمة سواء. أهمية هذه القمة عدا عن إجرائها في المملكة، وما لذلك من رمزيّة وتأثير معنوي، هي لملمة البيت العربي بعد حالة التفرق والتشتت التي أصابته منذ بدء (الربيع العربي)، ويأتي دور المملكة الريادي منذ تأسيسها في مشاركتها الفاعلة في المحافل الدولية إدراكًا منها بأن العصر الذي نعيش فيه، هو عصر التكتلات والمنظمات، التي يتم من خلالها تحقيق الأهداف المتمثلة في التنمية، والرفاهية، والأمن، والصمود أمام المتغيرات المتلاحقة على الساحتين الإقليمية والدولية. ريادة المملكة عملت المملكة منذ تأسيسها على أن يكون لها إسهامات فاعلة ورئيسة في تأسيس منظمات سياسية واقتصادية وثقافية ودينية عربية ودولية، فقد كانت من الدول العربية السبع التي أسست (جامعة الدول العربية) في عام 1946م، انطلاقا من إيمان الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود بأهمية دعم وحدة الصف العربي في مواجهة التحديات والصعوبات التي مّر بها الوطن العربي في تلك المرحلة التاريخية ، وتأتي رسالة الملك عبدالعزيز إلى اللجان العربية التحضيرية التي اجتمعت في انشاص بمصر في عام 1946م لبحث أسس ومبادئ تأسيس الجامعة العربية والذي أكد فيها سياسة وتوجه المملكة عبر مبدأين أساسيين وهما السعي إلى عقد حلف عربي يرمي الى تضامن الدول العربية وتعاونها وسلامة كل منها بحسن الجوار بينهم ، والثاني يركز على أن تحالف الدول العربية ليس موجها نحو غاية عدائية لأي أمة أو دولة أو جماعة من الدول إنما هو أداة للدفاع عن النفس وإقرار السلم. السلام الشامل أسهمت المملكة طوال العقود السبعة الماضية في دعم اعمال جامعة الدول العربية لاسيما ما يتعلق بدعم وحدة الصف العربي، وتفعيل قراراتها التي تخدم هذا الهدف والعمل للتوصل إلى الاجماع العربي في قضايا أساسية، ومن أهمها القضية الفلسطينية التي قدمت المملكة من أجلها العديد من المبادرات لحلها بصورة عادلة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ومن بين هذه المبادرات (مبادرة السلام العربية) التي قدمها الملك فهد بن عبدالعزيز- حينما كان وليا للعهد - للقمة العربية المنعقدة في مدينة فاس المغربية عام 1982 م ، والمبادرة التي قدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وحظيت بقبول عربي ودولي وأصبحت تحمل اسم ( مبادرة السلام العربية ) خلال اجتماع الجامعة المنعقد في بيروت عام 2002م، ويأتي الملك سلمان بن عبدالعزيز ليكمل مسيرة المملكة في دعم الجهود العربية وليؤكد أهمية تحقيق السلام العادل في المنطقة، وموقف المملكة الثابت في تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة، على أساس استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفقا لقرارات الشرعية الدولة ومبادرة السلام العربية في عام 2002م، وتظل القضية الفلسطينية بالطبع ركيزة حاضرة بقوة في كل القمم العربية التي تلتها. مسؤولية مالية وفي جانب الدعم المالي لجامعة الدول العربية فليس خافيًا على المراقبين للشأن العربي على وجه الخصوص، ما تقدمه المملكة لشقيقاتها، ضمن هذا الإطار، وما تقدمه في أحيان كثيرة على نحو خاص، مثل تحمل الجزء الأكبر من تمويل جامعة الدول العربية كجزء من حصصها في ميزانية الجامعة طوال العقود السابقة بما تمثله من ثقل اقتصادي ومالي على الصعيد العربي يقف في الصدارة، إضافة إلى دعم المنظمات والوكالات والجمعيات المنبثقة عن الجامعة، في إطار تعزيز أهداف التكامل العربي وتعزيز العمل العربي المشترك.