البعد القانوني للتصوير

حرصت شريعتنا الإسلامية الغراء على صيانة حق الناس في الخصوصية من التعدي وحفظه من التتبع، وكفل النظام الأساسي والقوانين الإجرائية والموضوعية الخاصة خصوصية هذا الحق وحرمته من أي انتهاك ورسمت حدود تجريم التعدي عليه وبينت الحالات التي يسمح فيها برفع الحماية القانونية عنه؛ فلا جدال يثور بشأن وضوح الحماية القانونية للحق في الخصوصية من الانتهاك بتصوير الأشخاص في الأماكن والمناسبات الخاصة، ولكن هناك نوع من الجدل الفقهي حيال إطار هذا الحق عند تصوير الناس في الأماكن العامة كالمطاعم والأسواق والحدائق والمناسبات الرياضية والترفيهية ونحو ذلك.
فهناك نوع من الإشكالية القانونية نتيجة الفهم غير الدقيق لما ورد في قوانين مكافحة الجرائم المعلوماتية بشأن حماية الحق في الحياة الخاصة ومدى اعتبار التقاط صور للأشخاص في الأماكن العامة يشكل انتهاك لحقهم القانوني في الخصوصية؛ فهناك من يرى بأن هذه السلوكيات لا تشكل جريمة على اعتبار أن وجود هؤلاء الأشخاص في الأماكن العامة يعدون جزءًا منه وأن التصوير لم يكن موجهاً لهم بذاتهم؛ في المقابل يرى آخرون أن النصوص القانونية بشأن الحق في الخصوصية لم تفرق في مضمون خطابها بين الأماكن الخاصة والعامة إجمالاً في شأن تحقيق الغاية التي ابتغاها المشرع من تشريع الحماية لهذا الحق، والمتمثلة في تمكين الناس من ممارسة حياتهم وخلوتهم الطبيعية بطمأنينة؛ فالنصوص القانونية تهدف لمنع وقوع الاعتداء على الحق ذاته بالتصوير، وبالتالي نكون بصدد فعل معاقب عليه لأن القانون كفل للشخص عبر هذا الحق الحماية لحياته الخاصة وحرمتها بصرف النظر عن نوعية المكان المتواجد فيه باعتبار أن الصورة امتداد لجسمه وتشير لشخصية صاحبها ومشاعره الطبيعية والزمنية، متى وقع التصوير على الشخص ذاته ولو كان متواجداً في مكان عام.
اليوم وبانتشار الهواتف الذكية أضحت عادة تصوير الناس في الأماكن العامة متاحة للجميع وبصورة فضولية غالباً، اعتقاداً من الكثير بأن ذلك التصرف نظامي من حيث المبدأ ولكن ذلك ليس على إطلاقه ومقيد بشرط عدم المساس بحق الآخرين في الخصوصية، فما يغفله الكثير هو أن تصوير الغير قد يضعهم تحت طائلة المسألة القانونية لمخالفة نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، متى تم تعمد تصوير أشخاص بعينهم وذاتهم في مكان عام ودون رضاهم، لأن بالرضا ينتفي الاعتداء، ولو لم يتم نشر الصور؛ كذلك تتحقق المسؤولية متى تم نشر صور التقطت لأشخاص في أماكن عامة دون علمهم ورضاهم، طالما أن الصور أظهرتهم بذاتهم وبينت محددات ملامح شخصيتهم المادية والمعنوية بشكل واضح وبما يطغى على مشهد المكان العام المستهدف بالتصوير بداية.