إن وعي المجتمع بعاداته الغذائية وممارساته الحياتية وقراراته اليومية هي خط الدفاع الأول لتجنب كثير من المشاكل الصحية والنفسية والاجتماعية، وما يترتب عليهما من تبعات اقتصادية وقانونية؛ ولا شك أن الدولة - رعاها الله - يهمها بالدرجة الأولى أن يكون أفراد مجتمعها سليمة أبدانهم، مضيئة أبصارهم، مضاءة عزائمهم، سليمة عقولهم، ورشيدة تصرفاتهم، راسخة قيمهم، ومتزنة أولوياتهم، وحكيمة قراراتهم، وراقية ممارساتهم، وسامية سلوكياتهم، بالبعد عن كل ما من شأنه أن يقوض من تحقق أساسيات مقومات أمنهم الشامل وصولا لمجتمع قوي وجودة حياة مستدامة؛ فقوة المجتمع تقاس بمتانة سلامة وصحة أفراده، وخلوه من السلوكيات والمنغصات التي تهدد أساسيات أمن رفاهيتهم وصحتهم العامة. لقد طرأ في مجتمعنا مؤخراً عدد من الظواهر المستجدة والتي أدت إلى استشراء عدد من الأمراض المستحدثة والصامتة والمزمنة بصورة فاقت التوقعات لتأثيراتها المتعدية على مقومات أمن الأفراد الصحي والنفسي والاجتماعي نتيجة سوء التصرف وتقدير العواقب؛ نذكر منها على سبيل المثال ما صاحب أنماط حياتنا من سلوكيات غذائية دخيلة تقوم على المغالاة اليومية في الاعتماد على أكل مطاعم الوجبات السريعة في ظل افتقادها للمأمونية الغذائية والقيمة الصحية؛ وأيضا استرسال البعض بالإسراف في الصرف على الكماليات المزدوجة وغير الضرورية والتي تستنزف الميزانيات والمدخرات؛ وكذلك الوقت المهدور في الازدحام المروري بسبب غياب المرور والتهور في قيادة المركبات والاستهتار بأنظمة السلامة المرورية كسبب رئيس للمناكفات والحوادث والتلفيات؛ وأخيرا حملات البنوك الإعلانية المحمومة لاستقطاب العملاء لمنتجاتها ذات الصيغ المختلفة والمسميات الرنانة لهلاك واحد اسمه "القروض" وحشو عقودها ببنود خفية لا يعي العامة تبعاتها المالية والنظامية؛ تلك أمثلة لبعض الممارسات اليومية التي على المدى المتوسط تؤثر في حياة الأفراد وتلقي بظلالها على سبل الوقاية من الأمراض وإطالة الحياة والارتقاء بتحقيق أسباب الصحة العامة، وبالتالي لها كلفتها غير المحسوسة على الأمن الاجتماعي والصحي والنفسي لأفراد المجتمع، ولها أثارها غير المحسوبة اقتصاديا على الدولة لتصحيح تراكمات تأثيراتها. ولهذا نقول إن التحولات الاجتماعية المستجدة تحتاج، بجانب فرض هيبة النظام، مواكبتها بجهود وبرامج توعوية مكثفة وبصورة مستمرة ومنظمة ومنتظمة وعلى مستويات مختلفة باعتبارها خط الوقاية الأول لتصحيح الممارسات والمفاهيم لبناء مجتمع سليم وصحي، يقدم في سلوكياته وتعاملاته وعلاقاته وتصرفاته اليومية بوعي مع أدراك للنتائج المترتبة، لكن هذه البرامج يجب أن تنفذ بشكل استراتيجي ومدروس للمساهمة في الارتقاء بمستوى وعي الأفراد، وتأسيس جيل يعرف أهمية النظام واحترامه وحجم مخاطر سوء السلوكيات وانعكاساتها السلبية على محددات أمن المجتمع بشكل عام.
