أشار سفير الجمهورية اللبنانية لدى المملكة العربية السعودية الدكتور فوزي كبارة، في حديث خاص ل»الرياض» إلى أن الحوار بين الحكومة السعودية واللبنانية مستمر ولم ينقطع، وأن هناك تواصلاً دائماً بين المسؤولين في كلا الجانبين، لما فيه مصلحة وخير الشعبين. وتحدث السفير اللبناني عن جوانب التعاون والعلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، ومجالات الاستثمار والعديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكان معه الحوار التالي: * هل يمكن القول إن سحابة الخلافات بين لبنان والخليج انقشعت تماماً، أم أنها لازالت مخيمة؟ وكيف تنظر لمستقبل العلاقات السعودية اللبنانية والخليجية عموماً؟ * السحابة انقشعت بحمد الله، والعلاقة بين لبنان وأشقائه الخليجيين هي علاقة أخوية تاريخية راسخة، وليس من السهل زعزعتها بكلمة من هنا أو تصريح من هناك. والمملكة العربية السعودية خصوصاً والخليج عموماً، ساندوا لبنان منذ فترة ما قبل استقلاله، وخلال الحرب الأهلية، ومن ثم خلال فترة الإعمار، فكانوا ولا زالوا أوفياء وسيبقون كذلك بإذن الله، كما أن محبة اللبنانيين لأهلهم في الخليج، وحفاوة استقبال الدول الخليجية لهم، هي من أهم خصائص العلاقة بين أبناء لبنان وإخوانهم في دول مجلس التعاون الخليجي. * لبنان يسجل الفراغ الرئاسي الثالث، ما الحل برأيك سعادة السفير، في ظل عدم وجود مرشح قادر على حصد الأكثرية المطلوبة؟ * الحل هو أن تبقى جلسات البرلمان مفتوحة، إلى أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة، فهذه أولوية لانتظام سير المؤسسات العامة والعلاقات الخارجية. * ما أبرز الملفات المطروحة أمام حكومة الرئيس ميقاتي، والمطلوب معالجتها بشكل عاجل؟ * أبرز ملفات دولة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي حالياً، هي ملف صندوق النقد الدولي، حيث إن الواقع الاقتصادي اللبناني المرير، وفداحة الأزمة المالية التي يعيشها البلد، والضغوطات الاجتماعية العميقة، تقف شاهداً على ضرورة وأهمية وضع استراتيجية للإنقاذ، ومشروع متكامل لتبني إصلاحات بنيوية، تؤمن التعافي والنهوض الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، فالجميع مقتنع بأن لا مخرج للأزمة الاقتصادية النقدية الراهنة، دون إقرار الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، بما يؤمن تدفق مداخيل بالعملات الأجنبية إلى لبنان، كما أن إبرام الاتفاق سوف يمكن أيضاً من وضع البلاد على سكة النمو الاقتصادي الإيجابي، ويحد من الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية، التي تعاني منها الأسر اللبنانية بشكل عام. * كم عدد اللبنانيين المقيمين في المملكة؟ وما أبرز المشكلات التي تصل إليكم في السفارة؟ عدد اللبنانيين المقيمين في المملكة يناهز الثلاثة وخمسين ألف نسمة، معظمهم من رجال الأعمال والأطباء والمهندسين ومديري الشركات، ومشكلاتهم قليلة جداً بحمد الله، ونحاول جاهدين تلبية كافة متطلباتهم الإدارية بشكل مهني ومنظّم، كما أن الجالية اللبنانية في المملكة تحظى بسمعة جيدة في الأوساط الحكومية السعودية، وكافة البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية. * برأيك سعادة السفير، لماذا وصلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن اللبناني إلى هذا المستوى؟ * إن أي بلد في العالم لو أصابه ما أصاب لبنان من أزمات ومحن، لكان شطب من خريطة العالم، ومن قاموس الدول. لكني أؤكد للقراء الكرام من خلال "الرياض" أن لبنان سيبقى -بإذن الله- منارة الشرق، وحاملاً لشعلة الأمل نحو المستقبل. * هل بدأ التنقيب عن حقول الغاز بعد ترسيم الحدود، وكم يتوقع أن تبلغ الطاقة الإنتاجية لهذه الحقول من الغاز؟ * بدأ التنقيب عن حقول الغاز منذ عدة سنوات في لبنان، وقد تم حفر البئر الأول منذ عامين، ومن بعدها بدأت الدراسات تتوالى، ولا زالت مستمرة بانتظار النتائج النهائية للبئر الأول، لتقييم المكامن وتحديد مراكز الحفر التالية، أمّا عن الطاقة الإنتاجية للغاز فهو موضوع سابق لأوانه، بانتظار حفر آبار إضافية لمعرفة مساحة وحجم المكمن، لكن الاستكشافات في مصر وقبرص وسائر المتوسط، تدل على إمكانية وجود الغاز بكميات كبيرة. * شهد لبنان عدة عمليات اقتحام لفروع مصارف، طالب خلالها المودعون بالحصول على ودائعهم، حتى وصل الأمر إلى أن أعلنت المصارف إغلاقاً عاماً، ما الإصلاحات والحلول التي يجب أن تتخذها الحكومة لإخراج لبنان من هذه الأزمة؟ * الحكومة اللبنانية الآن بصدد اقتراح وإيجاد حلول عاجلة، لاسترجاع جزء من أموال المودعين في المصارف، خلال فترة زمنية محددة، وذلك بالتعاون مع مصرف لبنان، ونتمنى أن تدخل هذه الاقتراحات حيز التنفيذ قريباً بإذن الله. * لا شك أن المملكة ولبنان تعرضتا إلى عدة عمليات إرهابية، ما تقييمك للجهود التي بذلتها المملكة لمواجهة الإرهاب على المستوى العربي والدولي؟ وهل هناك تعاون سعودي - لبناني لمواجهة هذا الخطر؟ * لا شك أننا نشجب كل أنواع الإرهاب، ولبنان يدين بأشد العبارات كل الاعتداءات التي تستهدف المدنيين، والموقف اللبناني شديد الوضوح في هذا الجانب، كما نثني على جهود المملكة العربية السعودية بقيادتها الحكيمة، التي استطاعت أن تحاصر مكامن الإرهاب أينما وجد وتقضي عليها، آملين أن يمدها الله بالعون للتغلب على هذه الآفة الخطيرة، وهناك تعاون أمني سعودي – لبناني على أعلى المستويات، في مواجهة هذا الخطر الذي يهدد الجميع، مع اتخاذ كافة الإجراءات الاستباقية اللازمة لتجنّب هكذا أخطار. * منذ وصولكم إلى الرياض سعادة السفير، هل قمتم بزيارات لمناطق ومدن المملكة؟ وكيف كان انطباعكم خلال تلك الجولات؟ * طبعاً، قمت بزيارة العديد من المدن والمحافظات السعودية، وزرت بعض أمراء المناطق، وقد أعجبت كثيراً بالتنوع الجغرافي الموجود في هذه المناطق، واختلاف طبيعتها وتضاريسها، وتاريخها وآثارها، وقبل ذلك حفاوة وكرم الشعب السعودي الأصيل، على كافة أراضي المملكة التي تشرفت بزيارتها. * لبنان يُعتبر دولة ذات أهمية خاصة بالنسبة للجمهورية الفرنسية، ما طبيعة الدور الذي من المتوقع أن يلعبه "الإليزيه" في لبنان خلال الفترة المقبلة؟ وهل تتوقع استمرار الحوار بين فرنسا والمملكة، لإيجاد مخرج للأزمة اللبنانية الحالية؟ * الجمهورية الفرنسية تعتبر دولة صديقة للبنان، ويهمها جداً مصلحة اللبنانيين وانتظام الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، والرئيس ماكرون منكب على إيجاد حل توافقي، يعيد من خلاله انتظام الحياة الدستورية والمؤسساتية في لبنان، والحوار الجاري حالياً بين فرنسا والمملكة العربية السعودية، هو بالتأكيد حوار بناء ومثمر، وشراكة حقيقية لما فيه خير لبنان، وقد بدأت هذه الشراكة في عدة جوانب، أبرزها الموضوعات الإنسانية، ونأمل أن تستمر وتتطور إلى الأمور الإنمائية، حتى يتمكن البلد من استعادة مكانته من جديد، وإعادة بناء مؤسساته، ومواجهة كافة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها. * كلمة تحب أن توجهها سعادة السفير من خلال "الرياض" في نهاية هذا الحوار؟ * إن العين الساهرة على لبنان والتي حمت طوائفه ودستوره هي العين السعودية، بقيادتها الحكيمة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- هذه القيادة التي تخطو اليوم خطوات جبّارة وعملاقة، ضمن رؤية ثاقبة للحاضر والمستقبل، نتوجه لها دوماً بالدعاء أن يبقيها الله لكل العرب، رمزاً للعزّة والكرامة. السفير اللبناني د. فوزي كبارة خلال حديثه مع الزميل عبدالعزيز الشهري - عدسة/ بندر بخش