أمير الشمالية يطلق مبادرة ترقيم الأشجار المعمرة بمناسبة اليوم العالمي للبيئة 2024    السعودية ترحب باعتراف سلوفينيا بدولة فلسطين    أمين التعاون الإسلامي يؤكد أهمية الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة    السوري «قيس فراج» منفذ الهجوم على السفارة الأمريكية في بيروت    وزير التجارة في «الشورى»: نمو السجلات التجارية 43% في 6 سنوات.. إغلاق المنشآت ليس ظاهرة    إجراء أول عملية قلب مفتوح بالروبوت الجراحي بمستشفى الملك فهد الجامعي في الخبر    وزير الخارجية يستقبل المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة الهندوراسي ووزير الاستثمار في هندوراس    أمير الحدود الشمالية يؤكد على أهمية تهيئة الأجواء النفسية للطلبة اثناء الاختبارات في مدارس المنطقة    أمير منطقة تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 37    سفير المملكة لدى كوت ديفوار يتفقّد الصالة المخصصة لمبادرة "طريق مكة"    أمير المدينة يستقبل رئيسي "سكني" والمياه الوطنية    "مركزي" القطيف ينقذ عين وافد ثلاثيني بعملية جراحة معقدة    فعالية "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    هجوم إلكتروني يستهدف حسابات بارزة على تيك توك    إي اف جي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لمجموعة «فقيه للرعاية الصحية»،    الأمن الأردني يحبط تهريب تهريب 9.5 ملايين حبة مخدرة متجهة للمملكة    القيادة تهنئ ملك مملكة الدنمارك بمناسبة ذكرى يوم الدستور لبلاده    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر ذي الحجة مساء غدٍ الخميس    5.5 مليار لتطوير مشروع عقاري شمال الرياض    رونالدو بحاجة لتمريرتين حاسمتين ليعادل الرقم القياسي للاعب الأكثر صناعة للأهداف    استمرار توافد ضيوف الرحمن إلى مطار الملك عبدالعزيز بجدة    صندوق الاستثمارات العامة يعلن تسعيراً ناجحاً لأول عرض سندات بالجنيه الإسترليني    النفط يتراجع لليوم السادس والذهب يرتفع    «نمّور» يلهم الشباب والأطفال بأهمية الحفاظ على البيئة    «الأرصاد»: طقس مكة والمشاعر في الحج حار إلى شديد الحرارة    النسخة5 من برنامج "جسور" لتأهيل المبتعثين بالولايات المتحدة    ارتفاع درجات الحرارة العظمى في 3 مناطق    الدوسري يشارك في المران الجماعي ل"الأخضر"    تستمر 3 أيام.. والرزيزاء: احتفالنا ليس للصعود    أمير الباحة ل«التعليم»: هيئوا وسائل الراحة للطلاب والطالبات    نسرين طافش: «النسويات» قاصرات منافقات.. ونوايا خبيثة !    الإسباني "هييرو" يتولى منصب المدير الرياضي في النصر    صدق أرسطو وكذب مسيلمة    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية "2"    «أندرويد» يسمح بتعديل الرسائل    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بمنفذ الوديعة الحدودي    دعم رواد الأعمال في الطائف    السعودية واحة فريدة للأمن والأمان ( 1 2 )    انطلاقة مشرقة لتعليم عسكري احترافي.. الأمير خالد بن سلمان يدشن جامعة الدفاع الوطني    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر دولي عن البرنامج السعودي للتوائم الملتصقة    «لا تضيّقها وهي واسعة» !    عالم عطور الشرق !    كيف يمكننا أن نتخذ قراراتنا بموضوعية؟    من أعلام جازان… فضيلة الشيخ الدكتور علي بن محمد الفقيهي    انتخابات أمريكية غير تقليدية    الملك يطمئن على ترتيبات الحج ويؤكد اعتزاز المملكة بخدمة الحرمين    وزير الشؤون الإسلامية يناقش تهيئة المساجد ومتابعة احتياجاتها    تعزيز مبادرة أنسنة الخدمات بتوفير مصاحف «برايل» لذوي الهمم من ضيوف الرحمن    جمعية تعظيم تطلق مبادرة تعطير مساجد المشاعر المقدسة    البرازيل تستعرض أغلى بقرة في العالم    قصة «خالد مسعد» لم تنتهِ بعد!    قمة بمواصفات أوروبية    تخصيص منزل لأبناء متوفية بالسرطان    بعد انتشار قطع ملوثة دعوة لغسل الملابس قبل الارتداء    أمير تبوك يشيد بجهود المتطوعين لخدمة الحجاج    أمير نجران يُثمِّن جاهزية التعليم للاختبارات    أمير تبوك يستعرض الجهود والإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن    رئيس هيئة الأركان العامة : جامعة الدفاع الوطني تؤسس لمرحلة جديدة وانطلاقة مشرقة لمستقبل تعليمي عسكري احترافي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إمام الحرم: معرفة الرب جل جلاله بأسمائه وصفاته وأفعاله هو لبّ الإيمان
نشر في الرياض يوم 25 - 11 - 2022

أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل فضيلته خطبته الأولى قائلاً: إن معرفة الرب جل جلاله، بأسمائه وصفاته وأفعاله، هو لب الإيمان، وغاية دعوة الأنبياء والمرسلين، فالعبد إذا عرف ربه، أخلص في توحيده، واجتهد في طاعته، وابتعد عن مخالفة أمره، وزاد له تعظيما وإجلالا، ومحبة وإقبالا، وتعلق قلبه برؤيته ولقائه، ومن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ولله تسعة وتسعون اسماً، من أحصاها دخل الجنة، ولقد أثنى الله تعالى على ذاته العلية، فوصف نفسه بالودود، فقال سبحانه: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾، وقال جل جلاله على لسان نبيه شعيب عليه السلام: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾، فالمودة: هي وصف زائد على مطلق المحبة، فالودود هو ذو المحبة الخالصة، والرب جل جلاله وتقدست أسماؤه، يتودد إلى خلقه بصفاته الجليلة، وآلائه ونعمه العظيمة، وألطافه الخفية، فكل ما في الكون من آيات بينات، هي ود من الخالق ورحمة، وتفضل منه وإحسان ومنَّة، ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، ومن كرمه سبحانه وجوده ورحمته، أن هدى عباده للإسلام، وأكمل لهم الدين، ونفى عنهم الحرج والمشقة، وأمرهم بذكره وشكره، ووعد من شكره بالمزيد، رغبة في صلاح عباده، ونيلهم خيره ورضاه، قال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾، ومن تلقفته الشهوات والمنكرات، وأسرف على نفسه بالخطيئات، فالودود سبحانه يخاطبه بألْيَنِ خطاب، وأجمل عتاب، فيقول سبحانه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، سبحانه من رب كريم، رحيم حليم، يعصونه فيدعوهم إلى بابه، ويخطئون فلا يمنعهم إحسانه، بل لا يزال خيره إليهم نازل، وشرهم إليه صاعد، ويحلم عنهم ويسترهم، ويبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وينزل تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، فإن تابوا إليه، فهو حبيبهم، لأنه سبحانه يحب التوابين، بل إن من مودته للتائبين، يفرح بتوبتهم وهو الغني عنهم، ويبين لهم سعة رحمته، والأسباب التي ينالون بها مغفرته، فيقول: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾.
وأضاف فضيلتهُ مبيّنًا بأن الودود سبحانه، هو الوادُّ لأوليائه، والمودود لهم، فاللهُ جَلّ جلالُه، يُحبُّ المؤمنين ويُحبُّونه، فمحبة المؤمنون لربهم، بتوحيده والإِيمَانِ بِهِ، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، ولا يزال العبد يسارع في مرضاة مولاه، حتى يفوز بالحب، ويظفر بالقرب، فإذا أحب الله عز وجل عبده، حببه إلى خلقه، فما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب الخلق إليه، ففي صحيح مسلم: عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟، قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، فَقَالَ: بِأَبِيكَ أَنْتَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ))، وفي كتاب الزهد للإمام أحمد، قيل لأحد الصالحين: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: "أَصْبَحْتُ بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟: ذُنُوبٌ سَتَرَهَا اللَّهُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَيِّرَنِي بِهَا أَحَدٌ، وَمَوَدَّةٌ قَذَفَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، وَلَمْ يَبْلُغْهَا عَمَلِي"، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾، ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾، في الأولى والأخرى، فمودة الله تعالى لعبده المؤمن، لا تفارقه بعد وفاته، فإذا شخص البصر، وحشرج الصدر، بُشِّرَ المؤمن برضوان الله وكرامته، وبرحمته وجنته، وإذا وضع في قبره، فسح له فيه مد بصره، ويصبح قبره روضة من رياض الجنة، و﴿إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها﴾، وخرج الناس من قبورهم، حفاة عراة غرلا، تلقت الملائكة المؤمنين، مهنئين لهم ومبشرين، كل ذلك تودد من الرحمن الرحيم، ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
ثم أوضح فضيلة الشيخ المعيقلي بأنّ من حُسنِ تودد الرب سبحانه لعباده المؤمنين، وسعة عطائه لهم يوم الدين، ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، عن حال أدنى أهل الجنة منزلة يوم القيامة، فكيف بما أعده الله لعباده الصَّالحين في الجنة، التي فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ففي صحيح مسلم، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا، فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا، قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟ - أي: شيء يرضيك، ويقطع السؤال بيني وبينك - أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ، أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟))، فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ، قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ)).
وفي الرواية الأخرى، يقول له الرب عز وجل: ((أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ، مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ)).
وفي الخطبة الثانية بيّن فضيلة الدكتور المعيقلي أنّ الله سبحانهُ وتعالى يحب مقتضى أسمائه وصفاته، فالمؤمن الودود، محبوب عند الله عز وجل، وإن من التعبد باسم الله الودود، مودة الرجل لزوجته، ورفقه بها، ومودة المرأة لزوجها، وحسن عشرتها له، ففي السنن الكبرى للبيهقي، قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ، الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ، إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ))، فخير النساء، من جمعت بين توددها لربها، باتباع مرضاته، وتوددها لزوجها، بتتبع محابه، وخير الرجال، من كان خيرا لأهله، ففي سنن الترمذي: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي))، فالمودة أحد ركني الحياة الزوجية، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، وحسن المصاحبة للأقربين، وتذكر جميل الآخرين، والوفاء للآباء الراحلين، هو من مقتضى العمل باسم الله الودود، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ، لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ. وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً، كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّهُمُ الْأَعْرَابُ، وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ، صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ))، رواه مسلم.
وأشار فضيلتهُ في ختام خطبتهُ بأنّ من أسباب نشر المودة في المجتمعات، إفشاء السلام، والتسامح بين الناس، وحب الخير لهم، وإدخال السرور عليهم، والرفق بضعفائهم، ومساعدة فقيرهم، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا))، يَعْنِي مَسْجِدَهُ صَلَى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإسْنَادٍ حَسَنٍ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.