مع إطلالة شهر محرم تتمثل أمام العيون ذكريات من الهجرة، تلك الهجرة التاريخية التي تتجمل بها صفحات التاريخ الإسلامي، وتعتبر نقطة تحول للأمة العربية والإسلامية من الضعف إلى القوة، ومن ضغط العوامل والظروف المعادية إلى مراحل الاستقرار والغلبة والانتصار. هناك هجرات عديدة قام بها رجال من التاريخ اتباعاً لسنة الهجرة التي بدأت بهجرة الرسول عليه ألف ألف صلوات والتسليم. وكان الهجرة التي قام بها رسولنا القدوة مصدراً للعز والسعادة والاتساع والشمول في العالم كله، سجل التاريخ الإسلامي في أدواره المختلفة نماذج رائعة لهذه الهجرة التي ظهرت فيها الشجاعة الخلقية والصلابة العقدية بأكمل مظاهرها، وتمثل فيها الإيمان الراسخ. بدأ الإسلام غريباً في أرض مكة، لم يلبِّ دعوة الإسلام التي تولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل تحصره أصابع اليد، وكانت المؤشرات كلها تشير إلى إخفاق هذه الدعوة الجديدة واندحار المسلمين وانسحابهم عن الميدان، لقد استمرت الأحوال على قسوتها واتساع نطاق الأذى والبلاء، ولكن الإيمان بدين الإسلام الحنيف لم يضعف بل ما زال يتقوى ويتعدى إلى القلوب، مهما تصاعدت نسبة المقاومة والعنف والمحنة ضد المسلمين، وظل الإسلام ينال القبول ويتزايد عليه إقبال الناس، وكانت الهجرة منطلقاً كبيراً إلى العز والغلبة وطريقاً مستقيماً نحو الازدهار والانتصار. الهجرة النبوية التي أفاضت على العالم الإنساني برها ورفدها، وأنقذت الأمم والشعوب من أتعس حياة إلى أسعدها، ومن أشقى محيط إلى أنزهه، ولأول مرة في التاريخ يرتفع الإنسان إلى قمة الأخلاق والسعادة، ويشهد قيمة الإنسان الأمثل، وينتقل من حضيض الشهوات البهيمية إلى أوج الطاعة الإنسانية. مع مطلع العام الهجري تتجدد ذكريات ذات شجون ودموع، وتتمثل أمام العيون صور مشرقة من معاني الهجرة. شهد التاريخ مثالاً نادراً لمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ونالت دعوة الإسلام طريقها نحو البلاد والأمصار، فكانت الهجرة النبوية فاتحة عهد السعادة والاستمرار للمسلمين، وبداية عهد الاتساع والانتصار للإسلام. إن بداية العام الهجري الجديد تتجدد ذكريات ذات شجون ودموع، وتتمثل أمام العيون صور مشرقة من معاني الهجرة، التي تتيح لنا فرصة طيبة للاعتبار بالماضي والتخطيط للمستقبل. وما أجدر الأمة العربية والإسلامية وهي تستقبل العام الهجري الجديد أنه تدرس حياة صاحب الهجرة من جديد، تدرسها من زاوية الحياة الجديدة، هنا العبرة للمسلم قبل كل شخص في هذه الحياة العطرة، وهو سيتقبل العام الهجري الجديد. ويذكر حديث الهجرة، كلما أعيدت قصة الهجرة النبوية الكريمة وجعلت أحداثها وأخبارها وآثارها موضوع الحديث، تجلت أمام الأعين تلك الحياة النبوية، وتمثلت ذكرياتها بجميع ما فيها من عبر ودروس، وتوجيهات وتعليمات لبناء الحياة السعيدة والمجتمع المثالي، ونشر معاني المودة والأخوة والحب والسلام. *الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية ،كولكاتا -الهند د. معراج أحمد معراج الندوي*