اُستخدمَ المثلُ لدلالته ووضوحِ معناه، وقربِ المُشبَّه بالمُشبَّه به، اشتهر العربُ به، ضمّنوه أشعارهم وحكمهم، يضربون الأمثال على الوقائع، إذ يعكسُ المثلُ الوجه الحقيقيّ لما هوَ واقع. تقولُ العرب «كل إناءٍ بالذي فيه ينضَح»، وهذا شطرُ بيتٍ لسعدِ بن الصيفيّ التميميّ «فحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا.. وكل إناءٍ بالذي فيه ينضَح». فالإناء يُعرف بما بداخله من رائحةٍ أو ما يرشحُ على جوانبه، ويظهرُ ويُتبيّن ذلك جليًّا، فإذا كان مليئًا بأطايب الطعام والروائح الزكيّة؛ بان ذلك وظهر، وإذا كان محشوًا بالخبث والخبائث؛ انعكس ذلك أيضًا. وهذا واقعٌ على ما يُسمّى بالقرداحيّ، الذي وصل إلى وزارة الإعلام اللبنانية والذي ليس هو لها أهل؛ مكافأةً له على ما يكنّه من كرهٍ وبغضٍ وحقدٍ ونفسٍ خبيثة تجاه الخليج أرضًا وشعبًا، وما نطقَ به لسانه رغمَ تقيته وتحاشيه ومواربته إلا أنّ الله أنطقه حتى يُعلَم ما يختلجُ بنفسه وما يضمرهُ، وهذا لسانُ حال كلِّ وزراء وممثلي الحزب المُسيطر على لبنان حكومةً وشعبًا، وقد أشارَ إلى ذلك متزعمهُ حين هدد بما يمتلكه من عتاد ورجال، الذين يفوقون مئة ألف رجل -حسب زعمه-، هم رهنِ إشارته وطوعِ أمره، وما اختيار القرداحيّ وأمثاله إلا لمعرفة الحزب بهم وخضوعهم له وتبنيّ آرائه وأيدولوجيته، وما أدلى به ذلك القرداحيّ إلا تقربًا وتزلّفًا لأولئك المسيطرين على لبنان، وقد عُرِف القرداحيّ منذُ سنينَ خلت، وعُرِفت مبادئهُ وأيدولوجيته؛ فلا يُستغرب الكره من الكريه ولا الحقد من الحاقد ولا الحسد من الحسود ولا الرداءة من الرديء، وحينما يكون هذا المسخُ لسانًا ناطقًا لحزبٍ يُعادي ويكره ويُبغِض أهل الخليج، فما يُستنكرُ منه؛ إذ أكّد بذلك المؤكَّد من قبله، وأوضح الواضح الذي يتبناه، وصل إلى حقيبةٍ وزارية لا يعي تمامًا رؤيتها ورسالتها، فوزارة الإعلام لها مهام تختلفُ عمّا فهمه من بذاءةٍ وإساءةٍ لنفسه ولوطنه قبل أن تكونَ إساءةً للغير، وإساءةً للعملِ المهنيّ الذي أُوكِل إليه. وما أدلى به لا يُكترَثُ له ولا يوقف عنده؛ إلا أنّ ما يُستوقف هو التساؤل أين عقلاء بلده وأين علماءها، أين من يملكون الحكمة والرويّة، أين ذلك اللبنان الذي هو مصيف الشرق وريحانة العرب وسلّة غذائهم، أين ذلك اللبنان الذي كان ينسجُ أفضل الأقمشةِ وأرقاها، أين تلك الروائح الطيّبة التي كانت تُقطّر من أزهاره ووروده، أين ذلك اللبنان الذي كان مضرب المثل بالنظافة لسانًا وإنسانًا وأرضًا وهواءً، أين ذلك اللبنان مما كان عليه من أمنٍ وسلام وحب تحوّل كلّ ذلك إلى خرابٍ ودمارٍ وتفجير وشتمٍ وسبابٍ وإراقةِ دماء، ذلك كلّه من ذلك الحزب المكوّن في إيران ويسيرُ وفقَ أيدولوجية وُضعت له من أولئك الإيرانيين، فذلك الحزب ليس لبنانيًا بل هو إيرانيّ المنشأ والهوية والغاية والوسيلة، ليس له من اسمه نصيب، هو حزبٌ معادٍ للبنان أرضًا وشعبًا. أبعد سنوات من اللاحكومة وبعد انتفاضات وأصوات ملأت الحناجر ووعودٍ بأنّ حكومةً ستنتشلُ لبنان من المأزق الذي وقع فيه ومما وصل إليه؛ تأتي حكومةٌ يمثّلها القرداحيّ وأمثاله؛ الذي نضحَ إناءه بما بداخله وما يحمله من فكرٍ مؤدّلج من قبل حزبٍ يكره اللبنانيين قبل أن يكره غيرهم، وما تلك التفجيرات والإساءات للبنانيين إلا مثلٌ واضح على ما يكنه ذلك الحزب؛ الذي ترشحُ آنيته بما يَختلج بنفسه من بغضٍ وكراهيةٍ.