الشاعرة رفعة بريك المري «دماث»، ترسم الحرف بريشة الفنان المتمكن، وتلونه بلون الضوء المشرق والمبهج، تكتب الكلمة المؤثرة التي يفوح عطرها بأجمل العطور الزاكية. من وين أقلّب وجه الأيام مجروح قشّة حزن تكسر غرور ابتهاجه قصائدها ينبوع صدق، وجداول صفاء، مشاعر ممتزجة بالألم والجروح ومع ذلك تثبت بأن الحُبّ والصَّبر يغلب الانكسار.. حول مشوراها مع الحرف تحدثت «دماث» ل»الرياض» عن ما يجول في أعماقها تجاه الشّعر بكل شفافية. * دور الشاعرات في الساحة الأدبية، هل وصل إلى ما تطمحين إليه؟ * هو لم يصل إلى ما أطمح إليه بل تعدى ذلك من حيث «التواجد» في الساحة الشعرية وبرزت أسماء كثيرة، ولم يعد هناك تفاوت بين الشعراء والشاعرات من حيث «الكثرة» وأصبح من السهل جداً الظهور والانتشار لكن لا يزال «التأثير والأثر» باهتاً من وجهة نظري. * كيف تنظرين الآن لساحة الشِّعر في عصر التطور والانفتاح؟ * متفاوت في الحضور والتأثير وبعض منه مثله مثل بقية البضائع إلا من رحم ربي فيه التقليد وفيه الأصل ما هو حقيقي وصادق يظل مؤثراً وماعدا ذلك كأنه لم يُكتب ولم يُقرأ كأنه لم يكن. * متى تكتبين الشِّعر.. ومتى الشِّعر يكتبك؟ * لابد من موقف وحدث حتى أكتب ولربما أحداث ماضية لم أتوقف عندها لكنها توقفت فيّ وأخذت من روحي ظلاً لها دون أن أدرك، وبعد مرور زمن تهب عليها ريح من أنفاس «عبارة» أو «كلمة» أو حتى حلم أو رؤيا منام فتثير تلك المشاعر المدفونة التي اعتقدت أني وطأتها بقوة النسيان والتغافل، وتبدأ تلك الأحداث بكتابة بعض ما فيّ، لكن معظم ما كتبت كان وليد لحظة الموقف ربما في ذات الساعة إلا ربع. * هل لكِ حضور في الشبكة العنكبوتية، وهل لها تأثير في دفع حركة الشِّعر؟ * كنت أتنفس أحياناً من خلال حسابي في «تويتر» وبصراحة لم يعد يستهويني كثيراً لكن من حين لآخر أطل من خلاله.. وبالتأكيد كان لكثير من المواقع تأثير في نهضة الشّعر وانتشاره، كما كان له أثر لحفظ حقوق بعض الشعراء وبالمقابل إهدار لحقوق البعض الآخر. * اللقب المُحبب للشاعرة رفعة المري «دماث» ما سبب اختيارك؟ * في البداية كتبت في مجلة المختلف باسم «وضحى» وبعدها قامت إحدى طالبات الجامعة وقتها بأخذ مجموعة من كتاباتي لمجرد قراءتها ثم ادعت أنها لها ونسبتها لنفسها فغيرت اسمي وكتبت بعدها ونشرت باسم «غلا» ثم اكتشفت وجود شاعرة بنفس الاسم وغيرت اسمي إلى «دماث» وكان اختياراً من أختي أقنعتني وقتها به وأحببته أولاً لأنه اختيار «أختي» وثانياً لمعناه «حسن الخلق». * ما أهم المحطات في مسيرتكِ الشِّعرية؟ * ربما تكون محطات صغيرة لكنها غالية على نفسي كثيراً بدأت أولى المحطات وأنا طالبة في الجامعة نلت المركز الأول بنين وبنات في القصيدة الفصيحة، ثم فرحة أول قصيدة لي في مجلة المختلف، وتتابع بعد ذلك في باقي الصحف، ثم أمسيتي الأولى في أجمل وأغلى المدن «الرياض»، يليها أمسية في منطقة تبوك.. تلك المحطات القليلة كان أجمل ما فيها أني اكتسبت معرفة ومحبة قلوب جميلة لا يضاهي جمالها أي جمال. * من الذي تجدينه ينتصر في شِعرك الحُبّ، الوطن، الألم؟ * للأسف أعتقد أن الألم هو المسيطر، وهو المنتصر المهزوم أيّاً كان منشأه، والحياة لا تتجزأ وكل ما ذكرته يُكمل بعضه بعضاً فإن أهدونا الألم نَبَضَ القلبُ شِعراً وقد يتوقف النبض إما لشدة وطأة الألم وإما تبلداً من صدمة قد تشلّ حروف نبضه. * ما القصيدة التي حظيت بالانتشار الواسع من قصائدك؟ * أظن أنها قصيدة «دموع البارحة»وبالذّات البيت: أشهد إن أقسى من آلام الجروح حاجة المجروح للي جارحه وربما قصيدة «سيد الجرح» والبيت: كلٍّ تهنى بعيشته في حياته وأنا حياتي عشتها من ورى الباب * ما الهاجس الذي يسيطر على مشاعرك أثناء الكتابة؟ * لا يوجد هاجس بعينه ولا أفكر بشيء أجد نفسي فجأة أمام موقف أعجز فيه عن التنفس وبلطف الله يلهمني الكتابة.. صدقاً الموقف أو الشعور هو الذي يكتب، وكم من مرة وقفت عاجزة لا أنا كتبت وسليت ولا أنا نسيت. * ما أجمل بيت من الشِّعر ترددينه باستمرار؟ * كثير أبيات أرددها حسب المواقف منها ما هو فصيح ومنها ما هو عامي أحدها بيت الشاعر متعب التركي: ما كل جرحٍ لاخذا أيام يبرى بعض الجروح يزيد شره مع الوقت وبيت راشد الخلاوي رحمه الله: نعد الليالي والليالي تعدنا والعمر يفنى والليالي بزايد وهناك «أبيات حياة» في كثير من مواقف حياتي وبالذّات في فترة بعينها لها قصص معي لا تحكى ولا تروى وهي قصائد الأمير الفارس محمد الأحمد السديري -رحمه الله- والذي لازالت قصائده تربي أجيالاً وتُغني عن كل ما كُتب من في التربية منها قصيدة: «الله من هم بروحي سهجها» بالذّات حين يقول: « كم واحدٍ له حاجةٍ ما هرجها يكنها لو هو للأدنين محتاج» ويقول: «لاخاب ظني بالرفيق الموالي مالي مشاريه على باقي الناس» لي مع هاتين القصيدتين قصة مرارة وعبرة حفرت في ذاكرة الألم. * ما سبب توقفك في الفترة الأخيرة عن الظهور الإعلامي؟ * لم أسعَ يوماً للإعلام وحتى حين نشرت في الصحافة كان لمجرد إثبات أمر بيني وبين نفسي، لم أخطط لظهور ولا لاختفاء الأمر كله عفوي، عرضت عليّ بعض الأمسيات هذا العام لم أستطع المشاركة وقتها لأسباب عدة ومنها الحياة العملية وزحمتها ويمكن شعور أحيان ملل أو شعور «النفس طابت». * بصفتك شاعرة متمكنة ما أهم مقومات القصيدة الشِّعرية؟ * شكراً لوصفك إيايّ بالمتمكنة في حين قد أصف نفسي ب»صادقة شعور» لا غير، بالنسبة لأولويات القصيدة القيّمة طبعاً غير الصياغة والبناء الشعري «الصدق العاطفي» حتى وإن كان شاعرها يراه صدقاً ونحن نراه مبالغة كما في قصائد الفخر عند شعراء العصر الجاهلي والعصر الأموي والعباسي لأنها وصلتنا ولازال أثرها العظيم باقياً إلى هذا اليوم نستحضرها في مواقفنا الحياتية وهذا يدل على قوة عاطفة شاعرها.. يلي ذلك الخيال وبه أيضاً يتمايز الشعراء ونرى حالياً ندرة الخيال في الشّعر وضعف العاطفة وقلّة الصدق وبالتالي قلّ تأثير الشّعر وأثره وقلّ بالتالي حفظه. * ما القصيدة التي تحمل بعداً ذاتياً وأبكت الشاعرة «دماث»؟ * إذا من كتاباتي فكلها ذاتية، وهناك قصيدة نشرت في مجلة المختلف اسمها «دموع الفجر» مضى عليها قرابة عشرون عاماً، وأخرى عن «العيد اليتيم» أيضاً في تلك الفترة، ونشرت في صحيفة الرياضية أو كما تسمى الوردية، وكما ذكرت لك سابقاً قصيدة السديري «الله من هم بروحي سهجها» لها قصّة وغصّة بداخلي. * كيف ترين حضور الشاعرة في الوقت الحالي؟ * حضور مميز وقوي، وبعض الشاعرات لم يكتفين بالكتابة بل حملن على عاتقهن نهضة الشعر ومحاولة إبراز بعض الأسماء المتوارية وأسس البعض منهن مجموعات شعرية الهدف منها الاستفادة من التجارب الشّعرية، وهناك أسماء غاية في الرقي الشّعري والإنساني والتفاني ساهمت ولا زالت تساهم في الرقي بالشّعر ولو من خلف الكواليس ولا تعبأ بالظهور. o ما الرسالة التي تودين أن توصليها من خلال الشِّعر؟ * أهم مبدأين في حياتي «العدالة» و»السلام» بمعناهما الذي تسعه السماء وإضافة إلى ذلك كان لديّ الكثير من الرسائل التي أودّ إيصالها ربما استطعت إيصال القليل منها وربما وصلت للبعض ولكن انكفأ وانطوى الكثير، وأتمنى وأسأل الله أن تكون كلماتي ومواقفي وآرائي شاهداً لي لا عليّ. * ما الجديد اللاحق من الأعمال الأدبية للقارئ؟ * مشروع رواية قد ترى النور في يوم ماً.. قد! * كلمة أخيرة؟ * أشكركم على هذه الاستضافة الكريمة بجريدة «الرياض»، وأسأل الله أن يجعلني وإياكم في هذه الحياة مثل سحابة مرت وأمطرت فأثمرت وما ضرت. متعب التركي