رواية مادونا صاحبة معطف الفرو. للكاتب صباح الدين علي، ترجمة جهاد الأماسي. الرواية مكتوبة منذ خمسة وسبعين عامًا وإن كانت ترجمتها إلى العربية تأخرت كثيرًا، لكن الملاحظ أن الكاتب يعمد في روايته إلى تقنيات حداثية، لم تكن معروفة في كتابات الروائيين الأتراك وقتذاك، وهو ما يضع الكاتب في قائمة المجددين، فالكاتب وزع روايته على روايتين، وهو ما يدخل النص تحت بنية «الرواية داخل الرواية». فالجزء الأول يسرد بلسان راوٍ غائب، هو صديق مدير الشركة السيد حمدي، التي يعمل فيها رائف أفندي، ثم سيعمل فيها الراوي لاحقًا، هكذا يلتقي الاثنان (الراوي ورائف أفندي) في مكتب واحد، فيبدأ الراوي في تتبع شخصية رائف أفندي بعد تعرضه للمرض، وبعد أن اشتد عليه المرض، يطلب منه رائف أفندي أن يجمع أشياءه من المكتب، ومن ضمنها الدفتر الأسود، الذي يطلب منه برجاء حرقه، ولكن بعد أن يسمح له بقراءته لليلة واحدة على أن يرجعه له في الصباح، ومع فتح الصفحات الأولى يختفي الراوي الغائب ليحل الراوي الأنا العائد على رائف أفندي. يمكن تصنيف رواية (مادونا صاحبة معطف الفرو) على أنها إحدى روايات حب المغتربين، وهذا النوع من الروايات، يتخلله صراع حضاري بين الشرق والغرب، حيث الشاب الشرقي المبهور بالحضارة الغربية وتقدمها، والخجول من تأخر الشرق وتخلفه، ومن خلال فتاة غربية، يحاول التواصل مع هذه الحضارة، لمعالجة ما أسماه جورج طرابيشي (الجرح النرجسي). لغة الكاتب سهلة وسلسة، وهو أحد أكبر الأسباب التي تجعل القارئ يكمل قراءة هذه الرواية الساحرة، ولكن عندما تسأل لماذا تحب هذه الرواية؟، فإن كثيراً منهم سيجيبونك مع تنهيد بأنهم تأثروا جداً مما روي فيها، ولكن للأسف لا توجد قصص حب مثل هذه في زماننا هذا. مقتطفات من الرواية: * عندما تحيق مصيبة بأحد الأشخاص الذين نعاشرهم لفترة، ونرى أنواع البلاء والهموم التي وقعت عليهم، فإننا نشعر بارتياح لأنها لم تقع علينا نحن. كأننا بشكل أو بآخر، نريد أن نبدي لهم الشفقة والعطف كنوع من أنواع الشكر، لما تحملوه مما كان من الممكن أن يحصل لنا. * حتى أكثر الناس بساطة، وبؤساً، بل وحمقاً، لهم أرواح غريبة ومعقدة توقِع الإنسان من الدهشة! لماذا نهرب من فهم هذا ونظن أن فهم الإنسان والحكم عليه من أسهل الأشياء؟ لماذا نهرب من الحكم على نوع جبنة رأيناه لأول مرة بينما لا نتورع وبضمير مرتاح عن إصدار حكمنا بشأن إنسان ما فور رؤيتنا له؟ * يكفي هذا القدر لليلة واحدة، فأنا ومنذ طفولتي كنت أخاف دائماً من الإسراف في السعادة، آملاً أن أخبئ بعضاً منها لأوقات أخرى. وقد كان ذلك سبب تفويتي لكثير من الفرص، لكني كنت أتردد دائماً من طلب المزيد، خوفاً من أن أُنفر حظي. * أن تحيا متأملاً أصغر اهتزازات الطبيعة، أن تحيا هو أن تراقب انسكاب الحياة ومضيها بمنطق لا يتزعزع. وتعرف بأن لحظة ما قد تملأ عمراً كاملاً. والأهم من ذلك، أن تؤمن بوجود إنسان ستحكي له كل ذلك، وأن تحيا وأنت تنتظر قدومه. هل في الدنيا شيءٌ باعث للسرور والانشراح أكثر من هذا؟ سنمشي بعد قليل سوية في هذه الطرق المبتلة، ونجلس في مكان منعزل ومعتم وستقابل عيناي عينيها. وسأحدثها عن أشياء كثيرة، أشياء لم أبح بها لأحد حتى الآن، ولا حتى لنفسي. قدوم سعادة كبيرة جداً بهذه السهولة ليس بالشيء الطبيعي. * كل مرارات الحياة وكل ما يخسر فيها من أشياء ثمينة وثروات يُنسى مع الزمن إلا الفرص المفوتة فإنها لا تنسى أبداً في كل مرة يتذكرها المرء فإن شيئاً بداخله يعذبه. سبب ذلك على كل حال هو الاعتقاد بأنه كان من الممكن أن يكون الوضع مختلفاً، وإلا فالإنسان مستعد دائماً لتقبل ما يلقيه عليه القدر. قراءة:خالد المخضب