إذا كان للحياة فن فإن للتعايش فناً أهم من كل الفنون التي مرت عليك أو سمعت عنها. فالتعايش مبدأ قومي إنساني بالدرجة الأولى ومعبراً عن موطنه الذي يؤوي إليه ويستقر فيه. إذ بلا تعايش؛ لا استقرار في الحياة. هذا الفن هو المكون الرئيس والمهيأ لجميع الفنون سواء الفنون الرياضية أو الأدبية أو حتى العلمية، فهو محفز لطاقات الإنسان للإيجابية خاصة في إدارة المنشآت الخاصة والعامة وحافز مهم للتطوير والابتكار. ودائماً السؤال يقع عن كيفية إجراء هذا الفن، هل من خلال الحوار؟ أم من خلال الشفافية والمصداقية في التعامل مع الآخر؟ ومؤكداً أن الروح الرياضية والصفاء الذهني وإعطاء جو من التنوع الثقافي والاطلاع على كافة العلوم، وليس بالضرورة بشكلٍ كامل وإنما الأخذ من كل بستانٍ وردة لها صفاؤها ونقاؤها المعرفي والوضوح المنطقي. هذه العوامل تساعد الإنسان على المبادرة في التعايش مع الآخر مهما كان هذا الآخر من أخٍ وصديق إلى زميل في العمل أو إنسانٍ مختلف عنك في المعتقد أو في الرتبة الاجتماعية والمادية. فكل البشر سواء في هذه الأرض من حيث المعدن الإنساني وتقل عندما تنخفض نسبة الأخلاق وكلما حسن المرء أخلاقه ارتفع شأنه لدى الجميع إذ يحظى باحترام الآخرين. وهنا نفهم أن الأخلاق ترتقي بواسطة التفكر والاطلاع الشامل على جميع الظواهر الطبيعية والبشرية. والسؤال دوماً حول آلية هذه الظواهر وطبيعة فلسفتها وظهورها وكيف تحفزنا نحو ابتكار الفنون فالصورة الرمزية لهذه الفنون موجودة بدواخلنا بل أيضا نشاهدها بحواسنا من خلال الظواهر الكونية. فالتأمل الكوني يعطي نشوة وإحساساً لتنشيط الذاكرة وبالتالي تشعر بكينونتك وإنك موجود بحضورك الزمني فعالٌ في كل ميادين الحياة وأولها التعايش. فن التعايش أهم رسالة للإنسان يؤديها خلال وجوده فبدون هذه الرسالة لا ينتج لنا وطنٌ بمعنى المواطنة المستقرة، وأنظر من حولك من بلدان تجدها غير مستقرة سياسياً ولا اجتماعياً ولا اقتصادياً حتى، والسبب تفكك نسيج التعايش وبالتالي رفض الآخر لمجرد اختلاف ثقافي بسيط. خلقنا الله مختلفين كي نُكمل بعضنا كمجتمع إنساني ونتعلم من غيرنا وغيرنا يتعلم منا لنُكمل الصورة الجميلة من خلال ألواننا المختلفة. ولو فكرت أكثر ونظرت إلى الأرض وإلى تلك السماء؛ سترى بمجملها متكاملة ومتجانسة برغم أن منشأها الأول أي رحلتها التكوينية الأولى كانت مشتتة وفي اضطراب مثلها كمثل المولود الجديد ومع الوقت اكتملت الأشياء. فهذا هو منشؤنا نكمل بعضنا ونتجدد لتكون صورة حياتنا متكاملة.