منذ فجر الإسلام بعقيدته الصافية وهو يرمز للتسامح والمحبة والاعتدال في كل ظروف الحياة، فلو تأملت أكثر في الآية القرآنية التالية (إن الله بالناس لرؤوفٌ رحيم) البقرة:143، فالرأفة والرحمة سمات عليا في الأخلاق والتسامح؛ فهما أعلى قيمة إنسانية شرّعها القرآن لبني الإنسان من أجل تحقيق التوازن البشري وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقيم الإنسان كثيرة وعديدة لا نستطيع إحصاءها بمقال واحد، وإنما تحتاج لفصول وكتب لشرحها وطريقة تطبيقها. وهي بالطبع لا تأتي عن طريق الاكتساب والتجربة أو الخبرة، وإنما هي جزء من الإنسان مطبوعة في صفاته، إذ لا يمكن على المرء أن يتصنعها بمجاملة أو مصلحة فأمره مكشوف للبيب الحصيف. ولك أن تجرب التسامح وأنت راضٍ عن من آذاك أو شتمك أو سرق مالك وأنت في كامل قدرتك أن تأخذ ما أُخذ منك وهذا لا يعني خذلان أو خوف وإنما انتصار للقيّم النبيلة، وهذا لب التسامح الذي تناشده العدالة الاجتماعية. وهي ليست قيم وحسب وإنما اتصف بها الإنسان منذ فجر تاريخه منذ أن تطبعت في أخلاقه؛ فقد عرفها كما عرف الله خالق الكون في أحسن تكوين، فالله لم يخلق الكون في صورة سيئة أو قبيحة، وإنما بصورة جميلة تحمل صفات الأخلاق وهي لا شك جاءت من ذاته وصنعته وكل أمرٍ كان بيده ومازال. لا بد أن تكون صفاتك وأخلاقك كما جاءت مطبوعة فيك، فلو ساءت أخلاقك تذكر الكون، افتح عينيك إلى السماء وانظر إلى هذا البديع العجيب، فأنا وأنت سنكون على متن سفينة من المحبة والأخلاق تنجلي من قلوبنا المحبة والرحمة والرأفة. فالقلوب الرحيمة تتسع لكل الناس كوسع فضاء الكون، وأما القلوب القاسية فلا مكان فيها حتى لصاحبها، ومن هنا نقول إن منبع الرأفة والتسامح نابعان من ذات الإنسان والإنسان نابع من هذا الملكوت العظيم الذي نحن فيه، فلا تقف مكتوف الأيدي عند أي ضائقة فتذكر أنك ابن هذه الطبيعة التي احتضنت المخلوقات ونشرت محبتها في كل الأرجاء. لقد جئت إلى هذا العالم من أجل حكمة؛ وما الكون إلا كتاب تقرأ فيه آياته ومعجزاته لتتولد لديك فلسفة الأخلاق، وإن تمتزج صفاتُك مع كل شيء في هذا الوجود، وأنت ظلٌ عابرٌ تترك وراءك رسائل وصحائف لعلها تفيد من كان غائباً.