شراء مبكر لصكوك وإصدار جديدة ب64 مليار ريال    النفط يتراجع وسط انخفاض الطلب.. وانتظار بيانات المخزونات الأميركية    كاسترو: أريد اعادة الكأس إلى النصر    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية    خيسوس يحرج كاسترو في نهائي أغلى البطولات    «النيابة»: الحكم بالسجن لوافدَيْن ب5 سنوات وغرامة 100 ألف ريال وآخرَين بسنة لتحرشهم بوافد آسيوي    تعديل آلية الفرز في بوابة قبول الطالبات    المملكة ضيف شرف معرض بكين الدولي للكتاب 2024    استئصال ورم ضخم من مبيض مريضة بالبكيرية    استشهاد سبعة فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على مركز إيواء شمال قطاع غزة    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    الأمن العام: 20 ألف وافد طُبِّقَت بحقهم أنظمة وتعليمات الحج بعدم البقاء في مدينة مكة    حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة تبوك    السفارة السعودية في مصر: باشرنا الاتصالات مع الجهات والرسمية والأمنية للبحث عن «هتان»    قطاع القحمة الصحي يُقيم فعالية "اليوم العالمي للتدخين"    تعاون بين مجموعة نيو للفضاء و "Display Interactive"    جوازات مطار الملك عبدالعزيز بجدة تستقبل رحلات ضيوف الرحمن القادمين من سوريا    انتظام لاعبي الأخضر في معسكر الرياض    الانضباط ترفض شكوى الاتحاد ضد مالكوم وسعود    هلال الباحة يشارك في اليوم العالمي للتمريض    سفارة السعودية في المجر تنبه المواطنين بضرورة الابتعاد عن مناطق المظاهرات في بودابست    الخريف يبحث في هولندا توطين الصناعات الطبية    فرع الإفتاء بمكة المكرمة ينفذ سلسلة دروس علمية    سفير المملكة لدى المغرب: مبادرة طريق مكة أسهمت في تقديم خدمات متطورة ذات جودة عالية    "فلكية جدة": القمر في التربيع الأخير.. اليوم    تدشين فرع الصندوق الجديد بالهوية المعمارية المحدثة في جدة    محافظ الدوادمي يترأس الاجتماع الثاني للمجلس المحلي    وزير الخارجية يشارك في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني    المركزي السعودي يطرح "مسودة دليل التعرفة البنكية" لطلب مرئيات العموم    وزير الخارجية يصل الصين للمشاركة في منتدى التعاون الصيني العربي    رياح مثيرة للأتربة على منطقتي مكة والمدينة وارتفاع ملموس في درجات الحرارة العظمى بالشرقية    مطالبة شورية بزيادة الرحلات الداخلية وإنشاء مطارات    أمير حائل يدشن عدداً من المشروعات التنموية    وزير الداخلية يدشن عدداً من المشروعات في منطقة جازان    حل طبي يمكّن المكفوف من «رؤية» الأجسام    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية    حسام بن سعود يكرّم 29 فائزاً وفائزة بجائزة الباحة    صوت صفير البلبل.. التفكير خارج الصندوق    عبيد التفاهة.. وقاحة حمقى.. قباحة خرقى    إمارة منطقة مكة تشارك بمعرض ( لاحج بلا تصريح ) بمحافظة الطائف    جانب الظل    بين الإيمان والثقة    حجاج بنغلاديش: «ضيوف خادم الحرمين» امتداد لعطاءات المملكة بخدمة الإسلام والمسلمين    وزارة الموارد البشرية والجمعيات الخيرية يطلعوا على تجربة منتجع اكرام الوطني    أمير حائل يرعى التخرّج الموحد للتدريب التقني    العلاج بالخلايا الجذعية إنجاز علمي للشفاء من السُّكري تماماً    هذا السبب يجعلك تنام وفمك مفتوح !    محاولات فك الشراكة السعودية - الأمريكية !    أمير الشرقية يتفقد خدمات المستفيدين بالإمارة    تكثيف الحشد الدولي للاعتراف بدولة فلسطين    ضمن رؤية المملكة 2030 .. الهلال الأحمر يستعد لخدمة ضيوف الرحمن    إطلاق جائزة الفريق التطوعي بالقصيم    تعزيز التعاون القانوني مع كوريا    بداية من الموسم الرياضي الجديد 2024-2025 .."حراس المرمى" في دوري "يلو" سعوديون    المدافع الإيطالي المخضرم ليوناردو بونوتشي يعلن اعتزاله    مايو زعيم التوعية الصحية عالميا    وزير الداخلية يلتقي القيادات الأمنية في منطقة جازان    6 أنشطة ابتكارية عالمية لسعوديين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسامح.. طريقنا لنبذ مخاطر التصنيف والإقصاء
نشر في الرياض يوم 26 - 12 - 2018

إنّ التسامح وقبول الآخر المختلف في فكره ومعتقده وتوجّهاته بات مطلباً حضارياً وإنسانيّاً، ليغدو التسامح فعلاً راقياً وحضاريّاً حقيقيّاً منسجماً مع الأنساق الأرحب للقيم الإنسانية..
كل الأديان والشرائع والمذاهب والفلسفات الفكرية والاجتماعية تتّفق على أهمية التسامح والتحلّي به باعتباره طريقاً للسلام والتّواد والتراحم من خلال التعايش المتحضّر بين الأمم والشعوب، إذ لا مكان فيها للمشاعر والأفكار والسلوكيات السلبية؛ فالتسامح خصيصة عربية وإسلامية ضالعة في التجذّر، ولعلّ في هذه المفردة العميقة "التسامح"، ودلالاتها ما يوضّح قيمتها الإنسانية والحضارية العظيمة وضرورة التخلُّق بها كفضيلة؛ فقد كانت العرب تقول: (عليك بالحقِّ فإنّ فيه لَمَسْمَحَاً) أي متّسعاً. فالتسامح حقٌّ يتّسع للمُختلِفين. لذا فلا غرو أن يتم إيلاء التسامح قيمة وأهميّة عالية من قبل الأديان والشرائع والمفكّرين والفلاسفة والحكماء من خلال تعزيز حضوره في التعاملات والسلوكيات عبر مكوّناته المختلفة سواء المعرفية أو العقلية أو الوجدانية والسلوكية التي ترسّخ تبعاً لذلك التصالح بين المُختَلِفين وذلك عبر استعادة الثقة في العلاقة مع الآخر وتجسير الهُوّة والفجوات معه؛ تلك الفجوات التي استنبتتها ضبابية المشاعر والفهم الخاطئ والأفكار السلبية المسبقة. من هنا فإنّ التسامح وقبول الآخر المختلف في فكره ومعتقده وتوجّهاته بات مطلباً حضارياً وإنسانيّاً ليغدو التسامح فعلاً راقياً وحضاريّاً حقيقيّاً منسجماً مع الأنساق الأرحب للقيم الإنسانية.
الأيام القليلة الماضية شهدت حدثاً عالمياً وتاريخيّاً مهمّاً كان محوره واشتغاله الأهم هو ما يعزز قيمة الحوار والتسامح ونبذ الإقصاء والتصنيف؛ وهو اللقاء الذي جاء بعنوان «مخاطر التصنيف والإقصاء» (في أُفُقِ تَعْزيز مَفَاهيم الدَّولة الوطنية وقيمها المشتركة) الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، بمشاركة نخبة متميزة من العلماء وقادة الرأي والفكر في العالم الإسلامي والمرجعيات العلمية والفكرية للجاليات الإسلامية.
تكمن أهمية هذا اللقاء العالمي في أنّه رسم خارطة طريق جلية وواضحة للأمم والشعوب قاطبة؛ إذ لم يقتصر نفعه وخيره وأهميته على قُطْر أو إقليم أو دولة فقط، بل هو رسالة عالمية شاملة تدعو لخير الشعوب دون تمييز أو تصنيف أو اعتبارات مسبقة؛ ولعلّ هذا هو جوهر الأديان والرسالات السماوية جميعها أن يكون الكون يحظى بمحبّة وعدل ومساواة وخير عميم.
المؤتمر العالمي الذي عُقد في بلادنا حظي باهتمام عالمي كبير لكنّه يستحق اهتماماً أكبر، وربما الأحداث السياسية الصاخبة في العالم خفّفت من وهجه المستحق؛ ومع ذلك فيكفي أنه كان برعاية كريمة وفائقة من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- الذي يؤمن إيماناً عميقاً بأهمية الحوار ونبذ الإقصاء والتطرّف، ومما يضاعف من حضور المؤتمر وأهميته أنه شهد حضور 1200 شخصية من مفتي العالم الإسلامي وعلمائه ودعاته ومفكريه من 127 دولة وثمانية وعشرين مذهباً وطائفة يمثلون المكون الإسلامي العام.
كما اكتسب المؤتمر قيمة مهمة من مضامين الكلمة الضافية التي تفضل بها راعي المؤتمر للحضور خادم الحرمين الشريفين والتي اعتبرها المؤتمرون بمثابة وثيقة مهمة بالنسبة لجمعهم التاريخي الاستثنائي في أطهر بقاع الأرض حيث متعلقهم الروحي وقبلتهم الجامعة، وأن الكلمة الكريمة جاءت مفعمة بتحفيز همم العلماء والدعاة والمفكرين نحو أهداف المؤتمر، كما ثمن المشاركون في المؤتمر جهود المملكة بقيادة خادم الحرمين وسمو ولي عهده في خدمة الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، لا سيما جهودهما في محاربة التطرف والإرهاب حيث تُعد المملكة الدولة الأهم والأبرز في مكافحة الأفكار المتطرفة والإرهابية والأكثر فعالية في مواجهة الجرائم الإرهابية حيث أنشأت وقادت أهم تحالف في هذا الشأن وهو التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، كما أسهمت بفاعلية في التحالف الدولي لمحاربة داعش وأنشأت أقوى المنصات العالمية لمواجهة أفكار التطرف والإرهاب.
المؤتمر بلغ من الأهمية مكاناً لا يمكن إيفاؤه حقّه؛ فالنقاط المثارة فيه تستحق تسليط الضوء عليها بشكل أعمق لا سيما ما يتعلق بالتحذير الذي أطلقه المؤتمرون وحذروا فيه من تصدير الفتاوى خارج نطاقها المكاني مرجعين ذلك إلى سبب غاية في الوجاهة وهو أن لكل جهة أحوالها وأعرافها الخاصة بها التي تختلف بها الفتاوى والأحكام، وحضَّ المؤتمرون على قصر العمل الموضوعي المتعلق بالشؤون الدينية الرسمية لكل دولة على جغرافيتها المكانية دون التدخل في شؤون غيرها، والتأكيد على أهمية إيجاد مرجعية علمية موحدة لكل دولة في كيان فتوى عامة أو هيئة علمية مختصة تُعنى بالتصدي للقضايا الشرعية العامة، وأكدوا على أن مثل هذه التدابير من شأنها أن تحفظ السكينة الدينية لكل دولة بما في ذلك ما يسمى بالأقليات الدينية حيث يجب احترام مرجعيتها العلمية الخاصة بها، وطالبوا أن يكون التعاون البيني في هذا مقتصراً على مواجهة أفكار التطرف والإرهاب وعلى الدراسات والأبحاث وتنظيم الملتقيات العلمية والفكرية لرفع مستوى الوعي والتصدي للمستجدات ذات الشأن العام، ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان بطلب رسمي من الدولة المضيفة، أو داخلاً في اختصاص المجامع العلمية ذات الطابع الدولي.
المؤتمر كما أشرنا بالغ الأهمية والخطورة ويستحق مقالات وليس مقالاً عابراً لكنّ الأمل معقود على ما تثمر عنه الوثيقة التي أعدّها العلماء الذين اجتمعوا من كافة الأطياف والمذاهب وبلا شك هم قادرون على تبنّي رؤية عالمية شاملة تقي عالمنا من غلواء الإقصاء والتشدّد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.