(فأنْتَ أخي، ما لمْ تكُنْ ليَ حَاجَةٌ فإنْ عَرَضَتْ أيقنتُ أنْ لا أخا ليا..! بأي نجادٍ تحملُ السيفَ بعدما قطعتَ القوى منْ محملٍ كانَ باقيا ؟ بأيَّ سنانٍ تطعنُ القرمَ بعدما نَزَعْتَ سِنَاناً مِنْ قَنَاتِكَ ماضِيَا ؟ ألمْ أكُ ناراً يصطليها عدوكمْ وَحِرْزاً لِمَا ألجَأتُمُ مِنْ وَرَائِيَا؟ و باسطَ خيرٍ فيكمُ بيمينهِ و قابضَ شرٍّ عنكُمُ بشماليا ؟) أبيات من أبلغ الشعر وأشدّه حرارة وجَيَشان عاطفة، قالها جرير لأبيه أو أخيه - على اختلاف- بعد أن طلب من أحدهما مالاً فرفض، وكان جرير كريماً معهم معطاءً بلا حدود، فلهذا انصدم بشدة من هذا الموقف وأرسل تلك الأبيات التي هي آهاتُ قلب، وقد اقتبسها كثيرون وأضافوا عليها . والاستفهام فيها يزيدها تأثيراً وحرارة .. وهو استفهام توبيخ واستنكار .. أما البيت الأول فهو (تقرير) أي تثبيت صورة (المُعاتب) بذلك الشكل الأصولي المنفر . وجرير من أبلغ الشعراء، وأرقهم، وأغزرهم شعراً، وأغزلهم غزلاً، فقد كان يغرف من بحر، ولكن انشغاله الشديد بمهاجاة الفرزدق والأخطل - وانضم إليهما ثمانون شاعراً- جعلت موهبته العظيمة تضيع في وادٍ غير ذي زرع ، بل هو وادٍ يسيل بالشر.