حينما تقدم الفنون القيم الانسانية بشكل مبهر يحفر في التجربة الانسانية بشكلها التلقائي والحقيقي يجب هنا أن نذكر تجربة الفيلم الهندي " نجوم على الارض " كنموذج حي وضع أصبعه على قلب حالة لطفل يدعى إيشان جاء من عالم خاص به وهو ابن الثامنة من عمره حتى يعيش محنة قاسية وحقيقية في صعوبة تعلم الحروف الهجائية والانجليزية وذلك لأنه يعاني من مرض يدعى " الدسلسكيا " والذي يصنف ضمن صعوبات التعلم .. وعلى الرغم من ان هذا الفيلم هو الفيلم الذي رشحته الهند للدخول في مسابقة الاوسكار لأفضل فيلم اجنبي والذي حصد عدة جوائز عالمية إلا أن عامل الجذب في هذا الفيلم ليس فقط في روعة الفكرة وفي جاذبية إخراجه وفي طريقة تقديمه المختلفة بل أن الدهشة في الطفل المعجزة الذي يدعى دارشيل سفاري والذي جسد دور الطفل إيشان الذي يعيش عوالمه الخاصة ، حيث يجيد التقاط التفاصيل الدقيقة في الحياة ويتفاعل معها بمعايشتها بطريقته الفريدة ونلمح ذلك في مشهد خاص جدا ومؤثر حينما يترك كراسة التعلم الخاصة به ويخرج ليلتقط سمكات صغيرة ويضعها في زجاجته الشفافة التي تسرقه من اللحظة ويبدأ يعيش معها كرسوم متحركة تعبث بخيالاته، تلك الخيالات التي تزوره أيضا كلما دخل الفصل الدراسي وفتح كتاب القراءة ليجد الحروف وقد تحولت إلى عناكب متحركة وحرف s إلى حية تتلوى فوق الصفحة ولا يوقظ ذلك الخيال إلا معلمته التي تطلب منه القراءة فيصدمها بعبارة مدهشة غير متوقعة : "الحروف ترقص" , فتوبخه المعلمة وتخرجه خارج الفصل، ثم تتكرر محنة الطفل ايشان الذي يصدق والديه بأنه فاشل في التعليم ويدخلون في مرحلة القرارات الصعبة فيدفعه والده بعد توبيخه إلى مدرسة داخلية حتى يتعلم ظنا منه بأنه سيجد هناك انضباطا كبيرا فيمر الفيلم بمشاهد موجعة لطفل يبعد عن أمه التي اعتاد أن يشم رائحة ثيابها كلما أخذته لصدرها ليلا حينما يخاف.. فيدخل الحرمان والعزلة والوحدة ويلتقي هناك بمعلمين يكتشفون ضعفه في تعلم الحروف الهجائية ويضربونه ويرفضون التواصل معه، حتى تشاء الاقدار أن يلتقي بمعلم جديد, والذي يجسد دوره الفنان المبدع عامر خان -مخرج الفيلم ذاته- ويجسد صورة المعلم الاستثنائي الذي يقدم التعليم بمفهوم جديد من خلال حث الطلاب على رسم كل ما يلامسهم في الحياة ومن خلال الموسيقى وهي الفنون المهملة التي لم يدرك أهميتها في تطوير تجربة الانسان، إلا أنه يستفز من وحدة ذلك الطفل الذي يبقى صامتا في الفصل ولا يتفاعل مع زملائه ولا يتكلم ولا يبتسم ويبدو عليه الحزن حتى يكتشف بأن إيشان لديه صعوبات في التعلم تذكره بطفولته التي عاشها بذات الوضع. يسعى ذلك المعلم لإخراج إيشان من العزلة فيتقدم إلى المدرسة بطلب الحصول على فرصته في تعليم إيشان وذلك بحثه على الرسم بعد أن يكتشف موهبته في تلوين ورسم الاشياء الدقيقة ويذكر في الفصل نماذج لعباقرة عانوا في تعلميهم ولكنهم أصبحوا مختلفين في الحياة مثل ألبرت انيشتاين وتوماس اديسون ووالت ديزني وايشيك باشان ابن الممثل الهندي اميتاب باشان , ولكنه بعد نهاية الحصة الدراسية يأخذه بشكل فردي ليذكر له بأنه كان واحدا منهم حتى تبنى ثقة ايشان بنفسه وينطلق في تجربة جديدة في الرسم, من خلالها يتطور حتى يتقن تعلم الحروف الهجائية ثم يدفعه للالتحاق بمسابقة أفضل لوحة تشكيلية والتي يفوز بها ايشان الذي يتردد كثيرا في الصعود على المسرح حتى يصدق بأنه أخيرا فعلها . في الحقيقة لم ينجح الفيلم الهندي " tare zameen par " في وضع يده على الجرح الذي ينزف في طريقة تعاطي معلمينا مع التلاميذ ذوي صعوبات التعلم, ليقدم فكرا جديدا يجب أن يعتمد في مدارسنا وفي تهيئة معلمينا، إلا أنه استطاع أن يجعل من ثقافة الفن التشكيلي والموسيقى خيارا أنسب من أجل إخراج مكنونات الاطفال التي تنظر إلى الحياة من خلال عالم رسوماتها المتحركة حتى إن تغيرت طرق التعبير في ذلك . ولأن إيشان كان حالة خاصة فإننا بحاجة في النهاية لأن يعرض هذا الفيلم الهندي في افنية المدارس التعليمية وأن نفتش بين المقاعد الدراسية عن معلم يشابه عامر خان الذي أخذ بيد تلميذه الصغير المنبوذ الذي اتفق الجميع على فشله .. إلا أن ذلك لن يتحقق إلا حينما تكون الثقافة والفنون ضمن تعليمنا. الفيلم الذي رشحته الهند لجائزة الأوسكار