من أشد ما يؤلم المشاهد العربي، المتابع للقنوات الإخبارية التلفزيونية الكبرى عبر برامجها الحوارية السياسية سواء العربية أو تلك الأجنبية التي تعتمد بثاً باللغة العربية بل ويثير سخريته وامتعاضه هي لغة الحوار الدارجة بين العرب أنفسهم حين تحاورهم، ولا يخلو الأمر من مقدّم للحوار على الدرجة نفسها من الابتذال والانحياز. هنا سنكون أكثر وضوحاً فبعض عرب الشام من فئة من يعرف بالمتخصصين سواء بالإعلام والرأي أو القراءة السياسية هم أكثر انقيادًا لأجندة القنوات ويأتي بعدهم عرب شمال أفريقيا، ولن نصبغ صفة الملائكية على المتحاورين من أهل الخليج فبذور التكسب والانقياد قد أطلت عبر عدد غير قليل منهم، المهم في القول: إن لكل قناة ذات توجه معين متحاورون يخدمون أجندتها، ولا بأس إن كان الابتذال قائمًا وملامح التكسب ظاهرة عليهم، مما كشف أسماء كنّا نحسبهم القدوة، لكن وقع المال بدأ أنه أعلى من صوت الضمير. الواقع الحواري العربي اليوم مبتذل ومن كل أطرافه حد أن مقدم الحوار حين تخالف أجندته وترمي إلى إظهار حقائق فلن يمنعه سوء أدبه من أن ينهي حوارك الذي لم تستكمله، ولا عليه إن عجّل بإنهاء حضورك، ولسنا ندّعي على أحد في ذلك والأمثلة كثيرة وقائمها وأشهرها مذيع الجزيرة جمال ريان فقد فعل هذا الأمر كثيرًا خلال الشهر الماضي؟!. لن نسترسل في الحديث عن مقدم الحوار.. ولكن فيما يخص أطراف تلك المساجلات كل منهم يحارب لأجل أن يكون هو مصدر الحقيقة، ولا عليه في ذلك إن شتم او انتقص أو حتى شنّع وابتذل.. المهم أن ينتصر لرأيه.. ومثل تلك الحوارات وبكل أسف هي ما ابتلينا به، وعرفنا أنها معنونة بكلمات خاوية لا تحوي أي معنى.. ولنا أن نتخيل أن قناة مثل bbc باللغة العربية وهي العريقة وذات الخبرات الكبيرة تسقط في وحل الإنحياز من فرط سوء الأجندات التي يحملها بعض مقدميها وايضًا بعض ضيوفها، ليبدو لك أنه قد تم إحضاره للانتقاص من جهة أو بلد ما أو للمبالغة بالثناء على أخرى؟!. الحوار الدارج الآن على كثير من القنوات العربية لم يعد معتمداً على القراءات الموثقة، ومثل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف مانحن فيه من حوار عربي، وتعبير عن سذاجة في الثقافة الحاضرة التي ننتمي إليها، وليت الأمر يقف عند ذلك.. بل يشير إلى أن ثقافة المؤامرة حاضرة ويريد ضيف الحوار والمقدم أن يثبّتاها، والسبب أننا لم نبلغ القدرة على تحليل الأمور وبما جعلنا لا نستطيع إيجاد الحلول. عكس ذلك ما نشاهده على القنوات الأجنبية الكبيرة بمختلف مسمياتها بين أميركا وأوروبا وكيف أن الاحترام هو القائم بين المتحاورين حتى لو بلغ الاختلاف في الرأي شأناً لافتاً، ناهيك عن أن وظيفة المقدم للحوار أن يكون عادلاً وقادراً على تنمية الارتقاء بالألفاظ والحوار الى أفضل ما ينشده المشاهد، وهو ما يجعلني اتساءل بعد كل مشاهدة لتلك الحوارات الساخنة ونتاجها المفيد جدًا.. كيف لربعنا العرب أن يتعلموا منهم، لكن يبدو أن الأمر صعب لأن المدرسة العربية لن تخرج عن أنموذج صراخ فيصل القاسم و"بثارة" إبراهيم عيسى، وتذاكي أحمد منصور وأشباههم من المرجفين، تلك التي أصبحت انموذجاً للمحاورين المبرمَجين الجدد. ختام القول إننا كنّا نتمنى أن يكثر الحوار العربي التلفزيوني الهادف والاختلاف الذي يفضي إلى مكاسب إيجابية، لكن هذا نصيبنا ونصيب الأجيال العربية الجديدة الذين سيتلقون تلك الحوارات غير المنضبطه، وينهلون من التحدي السلبي ذلك الذي سيثير في أنفسهم مختلف الانفعالات والخلافات وكره الآخر، لكن ماذا سينفعنا به اجترار القلق وإظهار الاستياء من هذا الواقع الحواري القاتم جداً، ما دمنا لم نتعلم بعد أن الإعلام رسالة مقدسة حين لويناه لتحقيق مآربنا وتنفيذ أجنداتنا وغدرنا تجاه الأخ والصديق.