في زمن مضى كنا نسمع بإعجاب أن الرؤساء المصريين عند تتبع أحوال الرعية لا يكتفون بالتقارير التي تقدمها المخابرات بل كانوا يتابعون باهتمام كبير النكتة في الشارع المصري. شكل هذا مفهوما شائعا آنذاك أن الشعب المصري يحب النكتة وكثيرا ما يعبر عن نقده للأوضاع بالسخرية. توفر في ذلك الزمن في مصر عدد كبير من المنلوجست والممثلين الكوميديان وكاد المسرح المصري يكتفي بالمسرحيات الكوميدية، ثم غذت الأفلام والمسلسلات هذا المفهوم حتى تجذر فينا وأصبحنا نؤمن أن الشعب المصري صاحب نكتة مقارنة بالشعوب العربية. الجيل العربي الجديد لا أظنه يرى ذلك، اختفت من حياته الأفلام المصرية، ولم يعد هناك مسرحيات مصرية تتخطفها التلفزيونات العربية، ولم تظهر أسماء مصرية كوميدية من جيل اليوم بلغت الشعبية التي بلغتها الأجيال المصرية السابقة كعادل إمام ومدبولي ونجاح الموجي. الميديا الجديدة كالوتس آب تستوعب وتروج كل شيء حتى السخف، رغم هذا ثمة غياب مصري، غياب الأعمال المصرية الضاحكة الحديثة عن التداول أو عن التوظيف في مقاطع الوتس آب يعتبر أحمد حلمي على سبيل المثال من أشهر الكوميديان المصريين ومع ذلك لم أشاهد له مقطعا واحدا على الواتس آب في مقابل عشرات المقاطع المنتزعة من أعمال مصرية قديمة. ما الذي حدث؟ هل اختفت الروح المرحة من حياة المصريين؟ النظرية التي أرى أنها تستحق التأمل أن مصر كانت تسيطر على الساحة الفنية بشكل شبه مطلق وعلى مدى سنوات طويلة، في ظل غياب أي منافسة من الدول العربية، أصبحت الثنائية الثابتة في العالم العربي محليا ومصريا، قاد هذا إلى تغلغل اللهجة المصرية والحياة المصرية والهموم المصرية في البيت العربي، فوجدت النكتة المصرية من يسوقها بشكل ثابت ومستمر دون منافسة حتى من النكتة المحلية. إذا قرأنا المشهد السعودي سنرى أن قلة الإنتاج الفني السعودي المسوق للنكت والرقابة وتجهم الصحافة السعودية وترفعها أبقى النكتة السعودية في إطارها المناطقي الضيق، يتبادل أهل مكة النكت المكية ويتبادل أهل القصيم النكت القصيمية وهكذا في الرياض وفي الأحساء وفي حفر الباطن إلخ.. دون انفتاح على بعض. لم يكن يوجد من يسوق النكت كما يحدث اليوم، أوحى هذا الفصل المناطقي بضعف ملكة النكتة عند السعوديين. في مصر القرن الماضي انفتحت الأقاليم المصرية على بعضها بفضل الميديا كالصحافة والتلفزيون والسينما والمسرح وكثرة المنلوجست فتم تسويق النكتة المصرية كمنتج مصري عام في الداخل ثم تم تصديرها إلى الشعوب العربية الأمر الذي أوحى أن الشعب المصري أكثر خفة دم من بقية الشعوب العربية. ولكي لا يزعل أحد بحثت عن نكتة مصرية أنهي بها المقال: المثل الصيني يقول : لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد: النسخة المصرية المترجمة لنفس المثل. لا تعطيني سمكة ولكن خليهم 2 كيلو عشان العيال وامهم وما تنساش علبتين رز بقى والعيش والطحينة.. واتوصى وحياة والدك.