المها الوضيحي يستظل تحت شجر الطلح في "محمية الإمام تركي"    الجبير يؤكد التزام المملكة بحماية المحيطات والموارد البحرية    عدد العاملين في القطاع الخاص يتخطى حاجز 11 مليوناً    الوزاري الخليجي يناقش اليوم التطورات الإقليمية والدولية    رسائل الإسلام    الأردن يدين الاعتداء الإسرائيلي الوحشي الذي استهدف مخيم النصيرات وسط غزة    رئيس وزراء باكستان يعود إلى بلاده بعد زيارة رسمية للصين    "نزلة معوية" تُبعد "مختار علي" عن تدريبات الأخضر    فوز سعودي مميز بقيادة العالمي يزيد الراجحي في رالي الأرجنتين    الأخضر يعاود تحضيراته.. وتمبكتي يواصل البرنامج العلاجي    القلعة الأثرية    «هيئة النقل» تدشّن النظارة الافتراضية بنسختها المتطورة خلال حج 1445ه    28 قتيلا في مناطق أوكرانية تحتلها روسيا    الجبير يلتقي وزير الدولة البرتغالي للشؤون الخارجية    الدفاع المدني ينفذ فرضية حريق بالعاصمة المقدسة    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    مجزرة النصيرات تقاوم تنديد العالم    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء «تنمية الموارد المالية»    أمن الوطن والحجاج خط أحمر    الكشافة تدفع ب 220 من "فتياتها" للمشاركة مع أمن الحرم المكي    فيصل بن مشعل يقف على مدينة حجاج البر.. ويشيد بجهود بلدية المذنب    هجوم شرس على عمرو دياب بسبب «صفعة» لمعجب    هيئة النقل: أكثر من 9 آلاف عملية فحص رقابية بمنطقتي مكة والمدينة    ضيوف خادم الحرمين: استضافتنا في الحج امتداد لإنسانية المملكة    انعقاد المجلس الوزاري ال 160 لمجلس التعاون بالدوحة غدا    ضبط 14 متورطا في إيواء ومساعدة مخالفي الأنظمة    سعودي الأول عالميا في العلوم الطبية الحيوية    استدعاء شاعر شهير استخدم ألفاظاً غير لائقة في لقاء «بودكاست»    السديس ل«المكي» والمهنا ل«المدني».. إعلان إمامي صلاة عيد الأضحى بالحرمين    فواكه لا تخزن في الثلاجة    موقف حارس يوفنتوس من الانتقال ل"روشن"    القبض على باكستانيين في جدة لترويجهما (4.1) كيلوجرام من مادة (الشبو) المخدر    من أعلام جازان… الشاعر والأديب والمؤرخ الشيخ/أحمد بن علي حمود حبيبي مطهري الحازمي    90٪؜ نسبة استيفاء "الاشتراطات الصحية" للحج    سقوط 150 شهيداً فلسطينياً.. مجزرة جديدة في النصيرات    الالتزام البيئي يفتش 91% من المنشآت المحيطة بمواقع الحجاج    إطلاق خدمة أجير الحج والتأشيرات الموسمية لموسم 1445    الأحوال: تعديل مواد تتعلق بتغيير الاسم الأول وتعديل أو حذف اسم الشهرة    البسامي: ضبط أكثر من 140 حملة حج وهمية    فاطمة الشمسان ل"الرياض" الحاج يحتاج نحو 100 جرام من البروتين يومياً    "البحر الأحمر": جولة ثالثة لدعم مشاريع الأفلام    الفنانة المصرية شيرين رضا تعلن اعتزال الفن    طقس شديد الحرارة على 5 مناطق    "السياحة": 227 ألف غرفة مرخصة بمكة    سُوء التنفس ليلاً يسبب صداع الصباح    النائب العام يتفقّد ويدشّن مقرات للنيابة العامة في المشاعر المقدسة    جنة ينافس العيسى على رئاسة الأهلي    نائب أمير مكة يتفقد العمل بصالات الحج    الهلال يعلن برنامج تحضيراته للموسم الجديد    مقتل صاحب أول صورة ملونة لكوكب الأرض من الفضاء    سوء التغذية يسبب اكتئاب ما بعد الولادة    بعثة المنتخب السعودي تزور صالة مبادرة "طريق مكة" بباكستان    100 ألف زائر في كرنفال القادسية الأسطوري    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية درج إبراهيم أصلان..
نشر في الرياض يوم 19 - 08 - 2017

جلست على المكتب بعد أن سلمني مدير التحرير العهدة الجديدة وهي عبارة عن ملف مليء بالمواد الأدبية القديمة, وضعت الملف الكبير في الدرج الأول وبدأت في تنسيق الأوراق والمواد الجديدة المبعثرة على سطح المكتب, العمل هو قراءة كل الأوراق والمواد الأدبية واختيار ما يصلح للنشر في الصفحات الثقافية الأدبية القادمة, كانت الساعة التاسعة مساء وكنا في فصل الشتاء, فصل ممطر ورطب ومبدع من عام 1989م , والمكان بدأ في مبنى المجلة يصبح خالياً من الزملاء.
صحبة كأس شاي نظفت ورتبت سطح المكتب ثم بدأت مهمة فرز وقراءة مواد الصفحات الأدبية, فتحت الدرج الأول وأخرجت الملف الكبير, كان الملف القديم مليئاً بالمواد المنوعة مابين قصائد وقصص ونصوص نقدية, وضعت الملف على المكتب وبدأت عملية القراءة الدقيقة, أضع على اليمين المادة المهمة أو الجيدة وعلى اليسار المادة الاحتياط المؤجلة, بعد حوالي ساعتين من هذه العملية الممتعة وجدت ما يشبه المقال أو القصة من صفحتين فقط, لكنه مكتوب بخط اليد, خط جميل جداً بالقلم الحبر الأسود, عنوان النص: (الدرج), وأسفل كلمة الدرج مكتوب اسم الكاتب: إبراهيم أصلان, وأنا انبهرت واحترت في نفس الوقت, انبهرت بهذا الاسم المبدع مكتوب أمامي بخط يده.
هذا الكاتب القدير سبق أن قرأت له الكثير من القصص المبهرة في مجلة إبداع المصرية بالإضافة الى روايته مالك الحزين التي قرأتها في وقت قراءتي لرواية بهاء طاهر: شرق النخيل وكتابه القصصي الرائع: الخطوبة, كان هذا في منتصف الثمانينات وظلت أجواء ولغة هذه الكتب في الذاكرة طويلا, لكن السؤال هو هل المقصود بالدرج هو السلم, أو الدواليب الصغيرة للمكتب. بعد مواصلة القراءة لهذا النص الممتع اتضح أن المقصود درج المكتب, وهذه القصة بالذات كانت بالنسبة لي إعادة اكتشاف لهذا الكاتب الممتع, كانت القصة هادئة وفيها شاعرية وحوارات ممتعة وساخرة ورفيعة الأدب.
في مساء الغد سألت الزميل الشاعر فتحي فرغلي عن هذه القصة تحديداً, قال لي أنه كان يبحث عنها وسط كومة الأوراق لنشرها لكنه لم يجدها, قلت له: أرجو أن تتصل بالأستاذ إبراهيم وتخبره أني سوف أنشر هذا النص في عمود له وأرجو وأن يوافينا في كل شهر بنص جديد لهذا العمود, قال وهو يضحك: فكرة ممتازة, وأعطاني رقم هاتف منزله, وفعلاً اتصلت به وتواصل معنا من خلال عمود أدبي باسم: أحوال, نشر فيه العديد من النصوص المبدعة لمدة حوالي عامين متواصلين, خلال تلك الفترة أرسلت له قصص كتابي إذعان صغير مخطوطة, منتظراً رأيه حولها وأن يقترح دار نشر لطباعتها في القاهرة, اتصلت به بعد أشهر أسأله عن مخطوطة القصص, وفوجئت به يقول لي أنه قرأ القصص وأعجبته جداً وأنه عرضها على اللجنة الفنية في مختارات فصول وأن لجنة النشر في الهيئة المصرية العامة للكتاب وافقت على طباعتها في مختارات فصول, وقال إنها أخذت دورها وسوف تصدر العام القادم, وفي العام 1992م حضر إبراهيم أصلان مع بعض الكتاب من مصر مدعوا إلى مهرجان الجنادرية, التقيت به في الفندق وحكيت له حكاية قصته الدرج التي وجدتها وسط كومة من المواد الأدبية القديمة في مجلة الجيل, ضحك إبراهيم أصلان وقال: كويس أنك لقيتها, وأهداني روايته القصيرة: وردية ليل التي تتضمن قصة الدرج مع إهداء بخط يده.
حين توقف الملحق الأدبي للجيل انتقل عمود الكاتب ابراهيم أصلان إلى الملحق الثقافي لجريدة الرياض, وواصل في تلك الزاوية كتابة العديد من النصوص المنوعة عن قضايا ثقافية مهمة, ثم انتقل العمود أحوال إلى صحيفة الأهرام, وكتب في أحوال أغلب نصوص وفصول رواياته مثل صديق قديم جداً وحجرتان وصالة وغيرها من المقالات النقدية المهمة عن الكتابة وعن القاص الأميركي الشهير همنجواي, وفيها نشر أيضاً موضوعات مهمة مثل استبقاء اللحظة عن الأسلوب الفني في الكتابة, وعلاقة الأدب بالسينما, وعن النحت في الزمن وهو كتاب المخرج الروسي اندريه تاركوفسكي الذي يرى فيه أن الفن مثل العلم وسيلة لاستيعاب العالم وواسطة لمعرفته أثناء رحلتنا نحو مايسمى بالحقيقة المطلقة, وأصلان هنا يقترب بنا من فكرة وظيفة الأدب, مؤكداً الاختلاف بين العلمية والجمالية, فبواسطة الفن يسيطر الإنسان على الواقع من خلال التجربة الذاتية, كما كتب في أحوال بالأهرام عن الخيال والذاكرة, ثم عاد أصلان للحارة والبيت القديم من خلال كثير من نصوص صديق قديم جدًا في حي الكيت كات بالقاهرة.
قصة الدرج التي نشرناها لإبراهيم أصلان كانت فصلاً من روايته الرشيقة وردية ليل, التي صدرت عن دار شرقيات في عام 1992م , لهذا يمكن القول: إن إبراهيم أصلان لا يفرق كثيرًا بين القصة والرواية, الابداع هو الإبداع وليس له علاقة بالجنس أو الشكل, ولهذا فإن روايات ابراهيم أصلان عبارة عن قصص قصيرة تكمل بعضها لتكون رواية حديثة ومتجددة ومختلفة وموجزة ومكثفة ولا تشبه كتابات أحد, وهي تزخر بحوارات موجزة ومقطوعة ترصد بدقة وعمق حيرة المشاعر النفسية والإنسانية لشخوص النص, ولاحظنا هذا أيضاً في روايته عصافير النيل التي كانت رمزاً للايجاز والإبداع والترتيب الحديث للزمن الذي لا يسير على نمط تقليدي مستقيم, لكنه يبدع في حكايات متفرعة للحكاية الأم التي تبدأ بجنازة عبدالرحيم ثم تنتهي عندها, وما بينهما حكاية سيرة الفتي عبدالرحيم وعلاقاته وزواجاته حتى كبر وتوفي, بالإضافة إلى حكايات أبناء أخته نرجس وأولادها عبدالله وسلامة, متتبعاً رحلة عبدالرحيم من قريته إلى القاهرة مع والدته هانم حين زار أخته نرجس وأولادها ومكث عندهم حتى تزوج دلال وأنجب منها, حتى في روايته الأخيرة حجرتان وصالة, نلاحظ فصولاً روائية كأنها قصص قصيرة متصلة ومنفصلة في آن واحد, من خلال حكاية طويلة تتناول الذكريات عن الأصدقاء في زمن مضى وانقضى, الرجل المسن خليل يعيش في الشقة الصغيرة مع زوجته إحسان بعد زواج أولادهم, لتكون تفاصيل الحياة اليومية الدقيقة جداً التي لاتلفت نظر أحد هي موضوعات هذه القصص العميقة, لأن قصة أو رواية إبراهيم أصلان تحيل العادي والمألوف الى مشاهد وصور سردية تستحق التوقف والتأمل, وهذه الخاصية الفنية تمثل نقلة فنية نوعية للقصة والرواية العربية التي كانت تركز على القضايا الكبرى, ويمثل هذا محورًا مهماً لنصوص هذه الرواية الحديثة شكلاً ومضموناً, وتميزت بقدرتها على الإيحاء وليس على المباشرة, الإيحاء في الحوار وفي روح الحكاية, من خلال لغة بسيطة لكنها تحفل بالدلالات الغنية والملاحظات والأفكار والاسئلة التي تثري روح القص, برؤية جديدة وملهمة وطريقة حديثة وبناء متحرك ومفهوم جديد وروح متجدد, حتى في روايته المبدعة والثرية بذكرياتها وحكاياتها العذبة ولغتها الهادئة: صديق قديم جداً, التي لا تقل جمالاً عن حجرتان وصالة.
جميع كتابات إبراهيم أصلان في المقالة والقصة والرواية وحتى حكاياته الشفهية العذبة التي امتعتنا كثيراً, كانت في المنطقة الوسطى مابين الرواية والقصة أو ما بين السرد والشعر الإيحائي أو ما بين اليقظة والحلم, دائمًا إيحاءات في المنطقة الوسطى, لكنها ليست محايدة وليست مباشرة, كل مايحدث في الواقع من متاعب وآلام لإنسان مجتمعه لا يكتبها عنها إبراهيم أصلان, لكنك تجد مثل هذا الصدى المؤلم أو المفرح في سلوكيات وتصرفات ونفسيات شخصيات قصصه ورواياته, إذ صاغ بأسلوب فني مختلف من المشاهد اليومية ومتاعبها ومباهجها, لحظات سردية غاية في البساطة وغاية في العمق ايضا, حين يقوم هذا الكاتب الفنان بالقبض على المشهد السردي لحظة حدوثة فعلا, محاولة فنية للقبض على الزمن أو محاولة إيقافه ربما في لحظة تجل فنية, تكمن فيها قوة ومهارة الأدب الرفيع لهذا الكاتب, ويكمن فيها تميز صوره وحكاياته التي كانت على قدر كبير من السحر والعذوبة.
الكتابة السردية القصصية والروائية المتميزة والحديثة في العالم العربي, تسير على خط واحد مستقيم يركز على الموضوع والأفكار ويجتهد في إبداع مضامين جديدة وأفكار جديدة, لكنها غير مشغولة كثيراً بالإبداع الفني واللغة على مستوى النص, والكاتب إبراهيم أصلان لم يتعمد الخروج من هذا النمط السردي العربي, كان خروج نصه السردي من هذه المنطقة التقليدية عفوياً وسلساً مرتبطاً بطبيعة إبراهيم أصلان في التخيل وفي المزاج الفني وفي طبيعة رؤيته الدقيقة جدًا لأصغر وأدق المشاعر الإنسانية التي لايلتفت لها الأدب العربي المشغول في الغالب بالمشاكل والهموم والقضايا الكبرى, كشف في قصصه وروايته المختلفة والحيوية والمتجددة, عن روح فنان حقيقي دخل عميقاً في أدق المشاعر الإنسانية وكشف صعوبة الحوار بين أناس يعانون في العيش وفي تفاصيل حياتهم اليومية, وهذا الحوار الذي يتضمن في الأساس الملاحظات الدقيقة, هو جزء رئيسي في نص سردي بسيط له رؤية موحية مختلفة وجديدة في الغالب, والايحاء هو الذي يكسر رتابة النص المباشر, وهو نقيض الغموض الأسود والبلاغة, ونقيض التقريرية والمباشرة الجافه, فهناك فرق بين الوضوح والمباشرة, ولهذه الايحاءات الموضوعية والفكرية علاقة بحالة الشخصية التي لا تعاني من سوء فهم الآخرين لها بقدر ما تعاني من واقع يومي صعب ومحبط تعيشه شخوص الحكاية, ما يحيل إلى واقع موضوعي متنوع وثرٍ في كتابات هذا المبدع الكبير, الذي تحولت القصة الإيحائية العميقة التي يكتبها فجأة, وبدون تخطيط أو تكلف أومبالغات الى رواية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.