المثل الكبرى وعلى رأسها مُثل الإسلام لا تنطوي على سبب للخوف منها ولا تشكل تهديدا للحضارات. المثل العليا هي التي تبنى الحضارات لأنها تعلي من قيمة الإنسان بل من قيمة الحياة وحق الطبيعة في الاستمرار. تلاحظ أن الإسلام يحرم عليك القتل, من أتفه الشجر إلى الإنسان. هذه المثل تجعل المؤمن بها طيبا ومخلصا وعلى استعداد للتضحية ولكنها تجعله أيضا ضحية محتملة. كل قضية كبرى أو مثل أخلاقية ثمة طرفان يتنازعانها. المؤمن بالقضية والمتمصلح من القضية. المؤمن بالدين والمتمصلح من الدين. المؤمن بالوطن والمتمصلح من الوطن. هكذا هي الحياة على أي حال. لم يعرف الإنسان قضية إنسانية أكثر عدالة من القضية الفلسطينية. ذهب المؤمنون بها ضحايا بين سجين وقتيل ومتهم بالإرهاب وعاش المتمصلحون منها في القصور وعلى كراسي الزعامات الثورية. عندما اندلعت الثورة البلشفية كانت الشيوعية تغزو القلوب بجماليات وعودها والأحلام الوردية التي تقطر من أفواه دعاتها. كان شعار (الإنسان أخو الإنسان) يعد البشرية بالعودة إلى اصالتها. انتصر الشيوعيون على خصومهم وبدأ السوفييت يترجمون احلامهم إلى واقع على الشعب الروسي والشعوب السوفيتية. صادروا مزارع الأغنياء واموالهم وحولوا كل الملكيات إلى ملكية الدولة وهكذا ولدت أول دولة شيوعية تسير على السراط الذي رسمه ماركس وأنجلز. حالها كحال القضية الفلسطينية ذهبت ضحية الحركات التي تقدم وعودا أكثر مما يجب فتجعل الأحلام عرضه للسرقة والمتاجرة. هكذا تحطمت ثورة أكتوبر لتصبح نهبا للأفاقين واللصوص ويزج بالمؤمنين بها في السجون القصية الباردة يقضون بقية حياتهم عبيدا بعد أن أكثروا من الحلم بالحرية وبالغوا في طلب العدالة. أنظر اليوم بعد زوال داعش إلى حال من كان يدعو للجهاد ويحث عليه وإلى حال من ذهب إلى الجهاد شاهرا الرايات السود. معظم دعاة الجهاد أصبحوا يملكون الفلل والسيارات الفاخرة وجوالات آي فون وأربع زوجات يتم تبديلهن بين فترة وأخرى ويقضون عطلاتهم مع عائلاتهم في شققهم الفاخرة في استنبول وطرابزون. أما المؤمنون فقد أصبحوا وقودا. بعضهم قتل وبعضهم في السجن وبعضهم صار طريدا هائما لا يعرف أي الطرق عليه أن يسلك: هل يعود إلى بلاد امه التي مزق جواز سفر وطنها أم أن يمضي قدما لعله يصادف الجنة التي وعده بها الدعاة المصيفون في ربوع تركيا. الخطر لا يأتي من المؤمن الخطر يأتي من تجار الأحلام الكبرى.