أمير الرياض يستقبل ابن عياف وسفير كازاخستان    نائب أمير المنطقة الشرقية يشهد حفل تخريج طلاب كليات الأصالة    أمير القصيم: دعم القيادة أسهم في منجزات رائدة    المملكة تستعرض جهود منظومة المياه    «تلبيس الطواقي»..!    مستقبل الطيران السعودي    «إغاثي الملك سلمان» يكرم «إنسان»    ماذا بعد وفاة الرئيس الإيراني ؟    غرور الهلاليين وتواضع الأهلاويين    استدعاء رونالدو لتشكيلة البرتغال في «اليورو»    ولي العهد يطمئن الجميع على صحة خادم الحرمين    تكريم الفائزين والفائزات بجائزة الشيخ محمد بن صالح    أشيعوا بهجة الأمكنة    سالم يشارك بفاعلية في تدريبات الهلال استعداداً للقاء التتويج بلقب الدوري    مؤتمر مستقبل الطيران 2024 يتجاوز التوقعات ويعلن إبرام 102 اتفاقية بقيمة 75 مليار ريال    إسرائيل تخشى أوامر الاعتقال وتستمر في الانتهاكات    إصدار 700 ألف صك عبر البورصة العقارية    القبض على مقيم لترويجه حملات حج وهمية في مكة المكرمة    الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 28 يونيو    «الذكاء الاصطناعي» الأوروبي.. إنفاذ القانون والتوظيف    IF يتصدر شباك التذاكر    الجامعة العربية تؤكد أهمية حوار الحضارات كتنوع ثقافي متناغم    نائب أمير مكة يستقبل مدير عام الجوازات والوفد المرافق له    تعليم الطائف يعلن ترتيب شرائح النقل عبر نظام نور لمعلمي ومعلمات التعاقد المكاني    نائب وزير الخارجية يقدم واجب العزاء والمواساة في وفاة رئيس إيران    من أعلام جازان .. الدكتور إبراهيم بن محمد أبوهادي النعمي    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    غرق 10 فتيات بعد سقوط حافلة بمجرى مائي في القاهرة    مدير مكتب التعليم بالروضة يفتتح العيادة المدرسية بمتوسطة زهير بن أبي أمية    أمير منطقة تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    أخضر الملاكمة بالمعسكر الدولي    ريال مدريد: كروس قرر إنهاء مسيرته الكروية بعد يورو 2024    سبل تطلق حملة للتحذير من التصيد الإلكتروني    تاج العالمية تفتتح مكتبها في الرياض ضمن 19 موقعا عالميا    أمير القصيم يستقبل ووفداً من أعضاء مجلس الشورى ونائب المحافظ لخدمات المساندة بالتدريب التقني    سيطرة سعودية على جوائز "الفضاء مداك"    وزير الإسكان يشهد توقيع "الوطنية للإسكان" 5 مذكرات تفاهم    إطلاق "مانجا إنترناشونال" للأسواق الدولية    النفط يتراجع والذهب في ارتفاع    طلاب الاحساء يحصدون 173 جائزة لوزارة الثقافة    أكثر من 5.5 مليون عملية إلكترونية عبر «أبشر» في أبريل الماضي    كفاءات سعودية تتحدث الإندونيسية بجاكرتا    حرس الحدود يحبط تهريب 295 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    أمطار متوسطة إلى غزيرة بالجنوب وخفيفة على 4 مناطق    رسميًا.. الاتحاد يعلن رحيل رومارينهو وغروهي    القوات المسلحة تواصل تمرين «الأسد المتأهب 2024»    الاتحاد بطلاً لهوكي الغربية    5 فوائد للمشي اليومي    8 مواجهات في الجولة قبل الأخيرة لدوري" يلو".. " الخلود والعروبة والعربي والعدالة" للمحافظة على آمال الصعود    زلة الحبيب    وقتك من ذهب    العجب    أمير القصيم يكرم «براعم» القرآن الكريم    علاقة معقدة بين ارتفاع ضغط الدم والصحة النفسية    الحامل و الركود الصفراوي    أخصائية تغذية: وصايا لتجنب التسمم الغذائي في الحج    خرج من «البحر» وهو أصغر بعشر سنوات    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الرياض» تسبر أغوار الملف الدموي «للإخوان المسلمين»
نشر في الرياض يوم 25 - 07 - 2017

"استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون.. اعكفوا على إعداد الدواء فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى".
من ضرع هذه الكلمات العنيفة وهذا الخطاب المتطرف للأب عبدالرحمن البنا الساعاتي، تشرب مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا عقيدة العنف ومنهج التغيير بالقوة. هذه العقيدة أصّل لها المرشد من خلال رسائله ومذكراته والتي اعتمدها المريدون والأتباع كدستور مقدس يؤطر لعلاقة الجماعة مع باقي التكوينات السياسية من جهة، وكذا في علاقتهم برأس السلطة السياسية في مصر.
لقد رأى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك فرصة ذهبية لتحقيق حلم حياته في تنصيب نفسه خليفة للمسلمين بعد استكمال الشروط الذاتية والموضوعية لنشر الدعوة الإخوانية في جميع الأقطار الإسلامية. يقول حسن البنا في رسائله "إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى (الخليفة) وشرطه الإمامة، فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلاف، أما الآن فأين الخليفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي، ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فإن اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر". (رسائل حسن البنا ص 17).
إن العنف عند الإخوان المسلمين كان دائماً من صميم الاستراتيجية التي تحكم علاقتهم مع باقي مكونات المجتمع الذي يحتويهم، فيما اعتبرت المماينة والمهادنة مجرد تكتيك مرحلي ليس إلا. والعنف عند الإخوان يرقى إلى مستوى العقيدة في حين أن الحوار هو فقط مناورة للتمرير والتبرير والتخدير. يقول حسن البنا في رسائله محاولاً تشبيه مريديه بذلك الجيل المشرق الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام "ثم أمرهم (الله) بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان:
والناس إذ ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
إن السياقات المتسارعة التي تعرفها البيئة الاستراتيجية في المنطقة العربية، والتي أصبح فيها الإخوان المسلمون طرفاً رئيسياً في الصراع، تفرض علينا وضع هذه الجماعة تحت مجهر التحليل والتشريح لمحاولة فهم البنية السيكولوجية للإخوان والتي أفرزت لنا فكراً عنيفاً جعل من (الإخوان) أينما حلوا وارتحلوا من بقعة أو مكان إلا وفاحت منه رائحة الدماء والجثث والأشلاء.
لقد حاولت هذه الحلقات أن تجعل من استشهاداتها وإحالاتها محصورة في المراجع الإخوانية المعتمدة واستبعاد المقاربة الذاتية أو كتابات الأقلام المعروفة بعدائها الأيديولوجي والسياسي للجماعة، مما يجعلنا نطمئن لصدقية هذه الحلقات التي حاولت احترام المعطيات التاريخية والأمانة في السرد والإلقاء والكتابة والإحالة دونما محاولة الالتفاف على الحقائق التاريخية أو تطويع للشهادات وفق ما يخدم طرحاً ما أو توجهاً ما.
يقول سيد قطب: "لنضرب، لنضرب بقوة، ولنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبور ويهيل التراب". ويقول حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في رسائله "إن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا فهو خير لكم، وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة فإن كتيبة الله ستسير".
هي إذا رحلة بين تراب المخازن لسبر أغوار هذه الجماعة والوقوف على معظم الاغتيالات السياسية التي تورطت فيها، وفرصة للتعرف على الوجه المظلم لهذا التنظيم الخطير وعلى تاريخه الدموي والذي يحاول بعضهم الدفاع عنه على استحياء وبغير كثير من الحماس.
البنا تبرأ من جماعته: «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»
ولد محمود فهمي النقراشي في مدينة الإسكندرية شمال مصر في 26 أبريل 1888، عمل كسكرتير عام لوزارة المعارف المصرية ووكيلا لمحافظة القاهرة، ثم صار عضوا في حزب الوفد. تولى وزارة المواصلات المصرية عام 1930، ثم تولى بعدها رئاسة الوزراء عدة مرات، منها التي تشكلت بعد اغتيال أحمد ماهر باشا وذلك في 24 فبراير 1945. وقد تحمل المسؤولية في جو تسوده المظاهرات والاضطرابات التي عمت البلاد والتي تصدى لها بعنف شديد.
البنا اعتبر دعوته غير محدودة بحدود جغرافية أو وطنية وختام حلقات الإصلاح
تولى محمود فهمي النقراشي باشا الوزارة، لآخر مرة، في 9 ديسمبر 1946م بعد استقالة وزارة إسماعيل صدقي، وكانت أهم القرارات التي اتخذتها هذه الحكومة هي إعلان دخول مصر حرب فلسطين.
كيف اغتيل النقراشي باشا؟
كان محمود فهمي النقراشي باشا رئيسًا للوزراء وفي نفس الوقت وزيرا للداخلية، وفي صباح يوم 28 من ديسمبر سنة 1948 دخل ضابط بوليس برتبة ملازم أول صالة وزارة الداخلية في الطابق الأول، ثم اتجه نحو المصعد ووقف بجانبه الأيمن، وفي تمام العاشرة وخمس دقائق، حضر النقراشي باشا ونزل من سيارته محاطًا بحرسه الخاص، واتجه إلى المصعد فأدى له هذا الضابط التحية العسكرية فرد عليه مبتسمًا، وعندما أوشك على دخول المصعد أطلق عليه هذا الضابط ثلاث رصاصات في ظهره فسقط رئيس الوزراء على الأرض ليفارق الحياة بعدها مباشرة.
تقعيدات فقهية ولي أعناق النصوص القرآنية تصل إلى تكفير الخصوم
من قتل النقراشي باشا؟
في هذا السياق، نحيل القارئ الكريم على شهادة محمود عساف وهو القيادي في جماعة الإخوان وأمير سر حسن البنا، والتي حاول صاحبها استحضار جميع المبررات الشرعية والسياسية للجريمة، حيث يُقِرّ محمود عساف بأن الإخوان كانوا وراء جريمة اغتيال محمود فهمي النقراشي باشا تفكيرا وتحضيرا وتنفيذا، فيقول في ص 165 من كتابه (أيام مع الإمام): "صار الإخوان الذين لم يقبض عليهم من أعضاء النظام الخاص في حال يرثى لها، فليس هناك من يرشدهم إلى ما ينبغي أن يفعلوا، ولا أحد يوعيهم بما لا يجوز أن يفعلوه. فصارت كل مجموعة منهم تلتقي سرا، ويقررون فعل شيء وفقا لاجتهاداتهم". وقبل أن نستمر في سرد شهادة محمود عساف، يجب أن نثير الانتباه إلى مغالطة خطيرة حاول أن يوقعنا فيها الشاهد حين يذكر أن الشباب لم يجدوا من يوجههم أو يثنيهم على فعل الصواب وتجنب الانزلاق في منزلقات العنف والقتل، حيث ان الفترة التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا لم تعرف اعتقال حسن البنا، بل ظل هذا الأخير حرا طليقا يحاول بكل الوسائل الاتصال بالسراي من أجل احتواء الأزمة مع القصر وتفادي ضربة قاصمة يمكن أن تؤدي إلى إطلاق رصاصة الرحمة على الجماعة. وذاك ما كان.
قضية (السيارة الجيب) السبب المباشر لإعلان حل جماعة (الإخوان المسلمين)
يواصل محمود عساف الإدلاء بشهادته في هذه القضية فيقول: "من هذه المجموعات: مجموعة أحمد فؤاد (كان ضابطا بالشرطة ضمن تنظيم الوحدات التي كان يشرف عليه الصاغ صلاح شادي) وكانت تضم محمد مالك يوسف، وشفيق أنس، وعاطف عطية حلمي، وعبد المجيد أحمد حسن ومحمود كامل. لم تجد هذه المجموعة أحداً يوجهها، فقررت قتل النقراشي جزاءً على حله للإخوان واستجابته وتخريبه لحرب فلسطين". ويضيف الشاهد في موقع آخر من نفس الصفحة: "رسم أحمد فؤاد وجماعته خطة قتل النقراشي، ونجح عبد المجيد أحمد حسن في مهمته بعد أن تنكر في زي ضابط بوليس، وقَتَلَ النقراشي رميا بالرصاص وهو على وشك دخول المصعد متجها إلى مكتبه في وزارة الداخلية". هذه الشهادة تثبت بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة تورط الإخوان في جريمة اغتيال رئيس الوزراء ووزير الداخلية محمود فهمي النقراشي باشا صباح يوم 28 دجنبر من سنة 1948.
الحكومة المصرية كشفت المخططات التخريبية للجماعة وهيكلها التنظيمي وجهازها السري عام 48م
شهادة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها لكونها صادرة عن أحد مؤسسي الجناح العسكري لجماعة الإخوان، ويتعلق الأمر بمحمود الصباغ والذي عايش حادثة الاغتيال ويروي عنها بحماس منقطع النظير ويرى أنها استجابة للواجب الشرعي الذي يجعل من محمود فهمي النقراشي باشا كافرا حلال الدم، كما يصفه برأس الخيانة ورأس الاستبداد ومحارب للإسلام والمسلمين. يروي لنا محمود الصباغ شهادته حول الحادث فيقول في كتابه "حقيقة التنظيم الخاص" في الصفحة 245: "كان هؤلاء الطلقاء (يقصد الإخوان الذين لم يتم القبض عليهم بعد قرار الحل) الذين لا يعرفهم البوليس من إخوان النظام الخاص الذين اقتضت مصلحة المعركة في فلسطين أن يبقوا في مصر لخدمة المعركة، والذين أقعدهم أن لا يجدوا سبيلا للخروج إلى المعركة، إلا أن يأذن لهم ربهم فيسر لهم هذا السبيل، قد وجدوا أنفسهم في وسط معركة دون جهد أو عناء. فقد انكشف أمام ناظرهم القناع الذي لبسه النقراشي باشا، قناع الوطنية، وقناع القتال في سبيل تحرير فلسطين، وظهر لهم وجهه الحقيقي، عميلا للمستعمر، ضالعا في الخيانة العظمى ضد فلسطين، فانبروا لقتاله مقدمين أنفسهم فداء للوطن والإسلام وفي سبيل الله" (تكرار العبارات من المصدر). ويتابع الشاهد في سرده لظروف اغتيال رئيس الوزراء قائلا: "نظر السيد فايز (العضو رقم 2 في النظام الخاص) في قرار حل الإخوان المسلمين وفي الظروف التي تحيط بهذا القرار سواء في الميدان أو داخل مصر، فشعر أنه محكوم بحكومة محاربة للإسلام والمسلمين وقرر الدخول معها في حرب عصابات فوق أرض مصر".
وفي نفس سياق شهادة محمود عساف السابقة، يتحدث محمود الصباغ عن "الكومندو" الذي قام بعملية الاغتيال فيقول "كوّن (أي السيد فايز) سَريّة من محمد مالك، وشفيق أنس، وعاطف عطية حلمي، والضابط أحمد فؤاد، وعبد المجيد أحمد حسن، ومحمود كامل، لقتل النقراشي باشا غيلةً، ولتتحطم رأس الاستبداد، وقد أسند قيادة هذه السرية إلى الشهيد الضابط أحمد فؤاد. وقد رسموا الخطة على النحو الذي ظهر في تحقيقات هذه القضية، ونجح عبد المجيد أحمد حسن في قتل النقراشي باشا، في مركز سلطانه، وسط ضباطه وجنوده وهو يدخل مصعد وزارة الداخلية".
من خلال هاتين الشهادتين لقياديين في جماعة الإخوان المسلمين بل ومن الرعيل الأول للجماعة، يتبين بالملموس وبالدليل القاطع والحجة الدامغة تورط الإخوان المسلمين في عملية اغتيال رئيس الوزراء ووزير الداخلية المصري محمود فهمي النقراشي باشا. ورغم محاولة تبرأ المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، في البداية، من منفذي هذه العملية، وصلت إلى حد نشر مقال في مجلة الإخوان المسلمين تحت عنوان "ليسوا إخوان وليسوا مسلمين"، إلا أن مسار التحقيق وشهادة الشهود وأحراز القضية والحجوزات القضائية أثبتت ضلوع التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين في هذه عملية الاغتيال.
إن عملية اغتيال محمود فهمي النقراشي باشا تجد مبرراتها الشرعية عند جماعة الإخوان المسلمين في مجموعة من التقعيدات الفقهية وليّ أعناق النصوص القرآنية تصل إلى اعتبار النقراشي باشا كافرا مرتدا حلال الدم وبأن جريمة اغتياله إنما هي داخلة في منظومة "القصاص" الشرعي الذي يبيح قتل رئيس الوزراء المصري. وفي هذا الصدد يقول محمود الصباغ، دائما، في الصفحة 230 من نفس الكتاب " وكلهم (يقصد أعضاء التنظيم الذي نفذ جريمة الاغتيال) قارئ لسنة رسول الله في "إباحة اغتيال أعداء الله". وبعد هذا الطرح الذي أصل له محمود الصباغ، يصل إلى استنباط مجموعة من القواعد الفقهية التي تجيز الاغتيال والقتل والتي كانت لها ظروفها وحيثياتها ولا يمكن بأي حال من الأحوال إسقاطها على الوضع المصري أواخر الأربعينيات. هذه القواعد يجملها محمود الصباغ في:
* يجوز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر على العداء والتحريض على حرب المسلمين
* يجوز اغتيال من أعان على قتال المسلمين سواء بيده أو بماله أو بلسانه
* يجوز التجسس على أهل الحرب
* يجوز إيهام القول للمصلحة
* يجوز أن يتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين
* يجوز الحكم بالدليل والعلامة للاستدلال
ذريعة الاغتيال: حل الجماعة
قام الجهاز السري لجماعة "الإخوان المسلمين" طيلة فترة الأربعينيات بتبني العديد من العمليات التخريبية في مصر. حيث قام بتفجير بعض دور العرض السينمائية والمراكز التجارية وعدد من أقسام الشرطة. وبعد القبض على منفذي هاته العمليات كان يتبين، دائما، أنهم يعملون لدى عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين.
لقد كان لدخول العرب الحرب ضد فلسطين بعد إعلان قرار التقسيم، فرصة ذهبية لحسن البنا لاستكمال تسليح التنظيم الخاص على أعلى مستوى وتحضيره للمواجهة المعلنة مع التنظيمات السياسية والملك فاروق.
يحكي أحمد عادل كمال في كتابه "النقط فوق الحروف: الإخوان المسلمون والنظام الخاص" ص 126 عن طرق التدريب وأماكنه وخطة التنسيق مع مفتي فلسطين في حالة القبض على أعضاء النظام الخاص فيقول: "وحتى هذه الحالة (اكتشاف تدريباتهم العسكرية في جبال المقطم من طرف البوليس المصري) كان هناك إعداد لمواجهتها. أجاب إخواننا المقبوض عليهم بأنهم متطوعون لقضية فلسطين. وفي نفس الوقت كانت استمارات بأسمائهم تحرر في مركز التطوع لقضية فلسطين، كما تم ربط الاتصال بالحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا وشرحنا له الوضع على حقيقته، وكان متجاوبا معنا تماما فأقر بأن المقبوض عليهم متطوعون من أجل فلسطين وأن السلاح سلاح الهيئة. وبذلك أفرج عن الإخوان وسلم السلاح إلى الهيئة العربية العليا".
لقد أثار اكتشاف الحكومة المصرية لعمليات التدريب التي يقوم بها النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين تركيز الأنظار حول هذا التنظيم وتتبع تحركاته. ثم جاءت أحداث اليمن لتعلن تورط الإخوان المسلمين في عملية انقلابية خارج الحدود المصرية والتي سيؤدي فشلها إلى إنضاج الشروط الأمنية لحل الجماعة
أحداث اليمن السعيد
كان حسن البنا يعتبر دعوته غير محدودة بحدود جغرافية أو وطنية، بل يعتبرها دعوة ربانية عالمية. فيقول في كتابه "مذكرات الدعوة والداعية": "أما العالمية أو الإنسانية فهي هدفنا الأسمى وغايتنا العظمى وختام الحلقات في سلسلة الإصلاح، والدنيا صائرة إلى ذلك لا محالة، وهي خطوات إن أبطأ بها الزمن فلا بد أن تكون، وحسبنا أن نتخذ منها هدفًا، وأن نضعها نصب أعيننا مثلاً، وأن نقيم هذا البناء الإنساني، وليس علينا أن يتم البناء، فلكل أجل كتاب".
اعتقد حسن البنا أن اليمن يعتبر فضاء استراتيجيا ملائما لانتشار دعوته لاعتبارات جغرافية وأخرى تاريخية، وبدأ بالاتصال بالطلاب الذين التحقوا بمصر من أجل الدراسة ومحاولة استقطابهم لمشروعه التوسعي.
وفي هذا الإطار يقول أحد اليمنيين ويدعى علي نصا العنسي: "كنا ندرس في الأزهر وبدأنا الاتصال بالإخوان المسلمين، ومنهم حسن البنا الذى كان يرى أن اليمن أنسب البلاد التي لها مناخ مناسب للإخوان، وأخذ يهتم بنا اهتمامًا خاصًا"، ويضيف العنسي: "فى هذه اللقاءات كان الإخوان يقولون إنهم مقتنعون بأن الحكم في اليمن، لا يمثل الإسلام، بل يشوهه، ولهذا فالإخوان ضده".
يعترف محمود عبدالحليم –مؤرخ جماعة الإخوان- في كتابه "أحداث صنعت التاريخ" بأن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة نبتت في المركز العام للجماعة. ويضيف بالقول "عند تناول ثورة اليمن نجد أنفسنا أمام شخصيتين من غير اليمنيين كانا قطبي رحى هذه الثورة هما: الفضيل الورتلاني وعبد الحكيم عابدين". ويضيف محمود عبد الحليم "صار للدعوة وجود في كل بلد عربي، وأن الإخوان يقيمون الدول ويسقطونها".
في 17 من فبراير سنة 1948 قتل الإمام يحيى ابنيه في كمين نصب له وتم إعلان عبد الله الوزير أميرا للمؤمنين وإماماً للمسلمين في نفس اليوم مدعوما بتيار الإخوان باليمن والذين كان يطلق عليهم اسم (الأحرار اليمنيين)، وكانت جريدة الإخوان المسلمين هي أول من أعلن نبأ الاغتيال مرفوقا بوزراء الحكومة الجديدة.
لكن الانقلاب فشل بعد أن قام الإمام أحمد حميد الدين ابن الإمام يحيى بثورة مضادة مؤيدة بأنصاره من القبائل، واستطاع خلالها إجهاض الانقلاب وإعدام الثوار. وبذلك فشلت أولى المحاولات التي قادها حسن البنا من أجل إقامة نظام للحكم تابع للإخوان، لكنها لن تكون الأخيرة.
قضية السيارة الجيب
يمكن اعتبار قضية السيارة الجيب التي وقعت بتاريخ 15 نوفمبر 1948، بمثابة رصاصة الرحمة التي أُطلقت على الإخوان المسلمين والتي كانت السبب المباشر لإعلان حل جماعة الإخوان المسلمين.
وتعود تفاصيل هذه القضية إلى أحد أيام الاثنين حيث تم ضبط سيارة جيب بها الكثير من الأسلحة، وتم القبض على بعض أعضاء الجماعة وهم أحمد عادل كمال وطاهر عماد الدين، كما قبض على مصطفى مشهور - المرشد الخامس للإخوان المسلمين من 1996 إلى 2002م­ - ومعه شنطة بها أوراق مهمة عن الجماعة، كان من المقرر إتلافها . وباكتشاف قضية السيارة الجيب، تكون الحكومة المصرية قد وضعت يدها على جميع المخططات التخريبية للجماعة وعلى الهيكلة التنظيمية للجهاز السري وعلى الشخصيات التي كانت مستهدفة بالاغتيال وخطط تهريب السجناء خصوصا المتهمين في مقتل القاضي الخازندار. وبعد هذا الحادث بثلاثة أسابيع وبالضبط في 08 دجنبر 1948 أصدر النقراشي باشا القرار العسكري القاضي بحل جماعة الإخوان المسلمين وإغلاق جميع مقراتها وحجز جميع ممتلكاتها وتجميد ودائعها، لتواجه بذلك الجماعة أول قرار حل في تاريخها منذ تأسيسها سنة 1928.
ستعمل الجماعة على محاولة إعدام جميع الدلائل والقرائن والوثائق التي تثبت تورط الإخوان في قضايا الاغتيال وكذا في قضية السيارة الجيب، من خلال محاولة نسف وتفجير محكمة باب الخلق في 13 من يناير سنة 1949، وهي القضية التي سنعرض لها في الحلقة المقبلة.
الصحف نشرت خبر حل (الجماعة) على صدر صفحتها الأولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.