بداية هيئة الترفيه جاءت قوية ومثيرة ولكنها على ما يبدو تحتاج إلى قليل من ترتيب الأوراق حتى تؤسس لعملية ترفيهية مستدامة. لا أحد يريد أن تكون جهة حكومية تتولى مسألة تنفيذ هذا الدور الذي تمارسه الهيئة. لعل الأمر يختلف في المستقبل. ما نفذ من فعاليات قاد إلى اختبار حاجة الناس في المملكة وربما تقود إلى تحديد توجهات الناس وأذواقهم حتى يتسنى للقطاع الخاص بعد ذلك أن يقوم بعمله. غاب الجمهور السعودي طويلاً عن حضور فعاليات ترفيهية على أرض بلاده. صارت كلمة ترفيه تعني السفر وطلبها من الدول الأخرى. تبرمج ذوق المواطن السعودي على احتياجات الآخرين. يغفر له أن حاجات البشر متشابهة. بهذه الدفعات القوية التي قدمتها هيئة الترفيه أصبحت فعاليات الترفيه واقعاً. لكنها مازالت في حاجة إلى تشريعات تسمح لهذا الجانب من جوانب الحياة أن يدخل ضمن دورة الاقتصاد وضمن برامج الأسرة ورجال الأعمال. طلب السعادة لا حدود له. تتنوع طرق إشباع هذا الطلب وتختلف من فئة إلى أخرى ومن مستوى إلى آخر. فكلما زاد تحضر الناس وترسخ الاستقرار في الدول يسعى الجميع إلى ممارسة الحياة عبر الترفيه كحاجة من الحاجات الأساسية. لا يتوقف طلب السعادة في حياة الشعوب إلا أثناء الحروب الطاحنة أو اللحظات التعبوية وهذه لحظات استثنائية. الإنسان ليس آلة عمل. الترفيه واحد من أهم العوامل الحضارية التي تميز الإنسان عن بقية الكائنات. لا تقيّم الحضارة بإنتاجها الصناعي ولكن تقيّم بإنتاجها الفني والمعرفي والأدبي. من منا لا يفخر بالحضارة التي أقامها المسلمون في الأندلس على سبيل المثال؟ كانت نموذجاً لتألق الفن والإبداع وتفشيه بين طبقات المجتمع كافة. قدمت للبشرية كل أنواع الفنون وعلى رأسها الغناء والشعر والآداب الأخرى ومازلنا حتى الآن نتطفل على إنتاجها الغنائي بما عرف بالموشحات الأندلسية على سبيل المثال. رغم أن جائزة نوبل تقدم للعلماء والمخترعين لكن شهرتها الأساسية تأتي من جائزة الأدب التي تدوي أخبارها كل عام في أرجاء المعمورة. أمريكا اليوم مليئة بأشكال الجوائز والمكافآت ولكن أهم الجوائز في تلك البلاد وأكثرها أهمية هي جوائز الفن المختلفة. ما تقوم به اليوم هيئة الترفيه ليس مجرد (سعة الصدر) بل إعادة روح الحضارة العربية والإسلامية الزاهية إلى قوام حضارتنا المادية المستوردة. نحن نعيش في بلد آمن ومستقر ولسنا في لحظات اسثنائية. وتمتلئ المملكة اليوم بالمواهب والقدرات بعد أن أصبح المجتمع في حدوده العامة متعلماً وعاملاً. هذه المواهب تحتاج إلى قيادة ودعم وهو الدور الذي يجب أن يقوم به هذا الجهاز. على الهيئة أن تفتح الباب لتأسيس فرق مسرحية وغنائية ومراكز تدريب وإصدار التشريعات وأن تكتفي بذلك.