أشترك مع عدد من المجموعات على الواتس أب.. هذه المجموعات متباعدة من نواح كثيرة، والأهم أن كل مجموعة لا تعرف المجموعات الأخرى ولا تتصل بها ثقافيا أو فكريا. وفي الوقت نفسه أتبادل مع أصدقاء آخرين بشكل فردي رسائل وطرائف وأخبار. بعضهم رجال وبعضهم نساء. في الآونة الأخيرة بدأت أحس أن الواتس أب سوف يفقد بريقه وقوة حضوره بين الناس. لم يعد يحمل في داخله شيئا جديدا. يكفي أن تشترك في مجموعة واحدة ليصلك كل ما يحدث وما يضحك وما يثير والإشاعات عند بقية المجموعات الأخرى التي تعرفها والتي لا تعرفها. أعرف عددا من الأصدقاء يعيشون خارج المملكة، سعوديين وغير سعوديين، يبعثون الرسائل نفسها التي يبعث بها أصدقائي من داخل المملكة. يكفي أن تفتش جوال إنسان عربي في أي مكان ليعطيك فكرة عما يجول ويدور بين العرب أجمعين. كانوا يقولون إن السياسة تفرق العرب وأم كلثوم تجمعهم، اليوم يمكن القول نفسه مع استبدال أم كلثوم بالواتس أب. تشكلت لدي ثلاث ملاحظات. أن الجنس يلعب دورا مهما في التسالي والترويح عن النفس. لا أقصد الجنس المثير للغريزة ولكن الجنس بعد تطويعه للتلاعب به لإنتاج النكت أو نقد الظواهر. يذهب هذا اللون من الرسائل إلى أبعد مما كنت تتخيله قبل اختراع الميديا الجديدة المتوارية عن الرقابة. اختفى الحياء القديم وحل محله انفتاح كبير على التعابير. الشيء الثاني أن الناس التي تتبادل هذه الرسائل بكل أريحية وانفتاح لا تتحدث عنها أثناء اللقاءات المباشرة. الشيء الثالث وهو الأهم الفقر في الإنتاج. ستلاحظ أن المنتج العربي من هذه الطرائف والأعمال الإبداعية قليل جدا ومكرر. تبعث برسالة على مجموعة فتعود إليك بعد ساعة عبر المجموعات الأخرى وعبر الأفراد. ربما تعود إليك نكتة قديمة وصورة قديمة. وفي بعض الأحيان يعتمد المنتج العربي على منتج أجنبي يتم تحويره وترجمته. رغم الانفتاح واشتراك أطياف المجتمع في الإنتاج ورخص تكاليفه إلا أن هناك شحا حقيقيا فيه. توقعت مع بداية الميديا الجديدة أن يكون الإنتاج الفني الشعبوي غزيرا ومتنوعا وثريا، ولكن الحقيقة غير ذلك. الخيال هو أصل الموجودات على الواقع. من المسحاة إلى الطائرة. ما ينتجه شعب من الشعوب في المصانع والمعامل لإثراء واقعه هو ثمرة خياله. الإنتاج الهزيل في الميديا الجديدة واتكاؤه على المشاهد الجنسية يعبر عن الواقع. التدني في الإنتاج على مستوى الواقع هو نتيجة الفقر في الخيال. الفن هو مصدر الخيال. والخيال هو مصدر التقدم.