نقلت شبكة HBO الأميركية صناعة التلفزيون نحو آفاق إبداعية واسعة بمسلسلها الجديد "Westworld" الذي عرض هذا العام ابتداءً من شهر أكتوبر الماضي وحتى الرابع من ديسمبر الجاري، في عشر حلقات، وبتكلفة إجمالية وصلت إلى 100 مليون دولار، في رقم لا يتكرر في مجال التلفزيون إلا نادراً، خاصة لمسلسل مايزال في موسمه الأول. تجري أحداث المسلسل في عالم مصنوع يدعى "عالم الغرب- Westworld" هو أشبه بمدينة الألعاب أو "الحديقة الجوراسية"، يذهب لها الزبون ليقضي فيها أياماً وسط الصحراء، يعود من خلالها إلى حياة "الغرب الأميركي" بكل ما فيها من رومانسية ووحشية. وقد تم تصميم هذا العالم ليحقق أقصى محاكاة ممكنة لصحراء الغرب، وأقصى متعة ممكنة، مع توفير إمكانية القتل لأي زبون يريد أن يتذوق طعم العنف ضد روبروتات آلية تعيش في هذه الصحراء تمت صناعتها بدقة عالية لتشبه البشر في كل شيء، ما عدا مشاعرها وقدرتها على التمييز، والتي يتم التحكم فيها بصرامة من قبل مبدعي هذا العالم وعلى رأسهم الدكتور روبرت فورد الذي يؤدي دوره الممثل الكبير آنتوني هوبكنز. مواصفات هذا العالم تم رسمها أولاً في السبعينيات الميلادية عبر فيلم بنفس الاسم أخرجه الروائي الأميركي الراحل مايكل كرايتون وظهر عام 1973، وحكى فيه قصة صديقين يدخلان "عالم الغرب" ويندهشان من مستوى الدقة في صناعة الروبوتات الآلية ومحاكاتها للبشر، فينجرفان في سيل المتعة إلى أن يصدما بثورة الروبوتات ضدهما وسعيها لقتلهما في مخالفة لشروط السلامة التي تعهد بها القائمون على هذا العالم. وما بين كر وفر الصديقين، يمضي الفيلم دون أن يغوص في أعماق الروبوتات الثائرة ودون أن يكشف عن سبب ثورتها. وقد ظلت هذه الحكاية بما تحويه من طاقة داخلية لم تستثمر، حبيسة الفيلم، حتى عام 2016، حين ظهر هذا المسلسل محملاً بمشاعر ودوافع وحبكات مثيرة وعميقة، تشرح لماذا ثارت الروبوتات، عبر سيناريو أبدعه جوناثان نولان وليزا جوي. كاتب السيناريو جوناثان نولان، شقيق المخرج كريستوفر نولان، ومؤلف فيلم Interstellar وفيلم "فارس الظلام"، بدأ عمله على المسلسل ابتداء من العام 2013 حينما كلفته شبكة HBO بكتابة سيناريو استناداً على الفيلم القديم الذي أبدعه مايكل كرايتون، وأعلن منذ البداية بأنه سيأخذ "عالم الغرب" إلى أبعاد أعمق، مستفيداً من كل عمل سابق احتوى على مواصفات مميزة للغرب الأميركي، مثل أفلام المخرج الإيطالي سيرجي ليوني، وأيضاً الألعاب الإلكترونية الشهيرة مثل Red Dead Redemption. لكن هاجسه الأكبر كان في كيفية صناعة "وعي" و"مشاعر" للروبوتات الآلية شبيهة بتلك التي ظهرت عام 1982 في فيلم الخيال العلمي الشهير Blade Runner للمخرج ريدلي سكوت والذي قدم حكاية تمرد أربع روبوتات آلية على النظام. يروي المسلسل على مدى عشر حلقات، قصة ذات مسارات متداخلة، أبطالها مزيج من البشر والآليين، يدور مسارها الأكبر حول الدكتور فورد الذي صمم هذا العالم –آنتوني هوبكنز- وما يعانيه من تدخلات المستثمرين واعتراضهم على رغبته في الاستئثار بالقرار في "عالم الغرب" الذي أنشأه من العدم، أما القصص الأخرى فتدور حول روبرتات آلية تسعى للتحرر. يعرضها المسلسل عبر سيناريو مدهش مليء بالألغاز والانقلابات والمفاجآت، ومحمل بالدلالات الفكرية والفلسفية، وعميق إلى الدرجة التي يتابع فيها البذور الأولى لنشأة "الوعي بالذات" عند الآلات، وبداية تكون الشعور والإدراك والرغبة في التحرر، إلى أن يصل إلى نقطة التمرد التي صدمت مبدعي هذا العالم والمتحكمين فيه، والذين كانوا يعتقدون بأن نظامهم صارم وأن الآلات لا سبيل أمامها سوى الرضوخ لما يطلبونه منها. أخرج حلقات المسلسل ثمانية مخرجين، من بينهم جوناثان نولان نفسه، الذي أخرج الحلقة الأولى والحلقة الأخيرة، كما لعب بطولته نخبة من الممثلين المبدعين يتقدمهم أنتوني هوبكنز وإد هاريس وإيفان راشيل وود. ومن المقرر أن يعرض موسم ثان منه عام 2018 في عشر حلقات أيضاً ستواصل الغوص في "عالم الغرب" وتنقل عذابات "الآلات الروحية" وأشواقها التي تكونت شيئاً فشيئاً في ثنايا الموسم الأول. أنتوني هوبكنز في لقطة من المسلسل جوناثان نولان مايكل كرايتون