عند كتابة أي مقال تدور في أذهاننا العديد من الأفكار والمواضيع التي لا نجد لها ضابطا سوى ما نملكه من فهم لما يحيط بنا من أحداث، والمتاح لنا من مساحة في التعبير تمتزج بما نملكه من قيم ومبادئ تعلمناها من الدين والعادات والتقاليد التي تربينا عليها في المملكة. وعندما كنا نتجاوز بقصد أو غير قصد خلال مراحل متعددة من تطورنا الفكري والإنساني، كان هناك من يقف ليمنع هذا التجاوز من الوصول إلى الجمهور الأوسع سواء من خلال الصحافة أو الراديو أو التلفزيون، وهؤلاء هم من نسميهم اصطلاحاً بحرّاس البوابة. كنا نشتكي منهم كثيراً، ونتهمهم دائماً بالتعدي على حرية التعبير، لما يمارسونه من حذف، وتعديل، وأحياناً منع لأي مادة قد يرون فيها تجاوزاً للخطوط الحمراء، وهو المفهوم المرتبط بضوابط سياسية ودينية واجتماعية مجهولة الحدود والمعالم في معظم الأوقات. ومع أن الشكوى لازالت قائمة، إلا أن وجود هذا النوع من العمل يبدو أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى مع انتشار هذا الكم الهائل من وسائل التواصل التي تجاوزت المفهوم التقليدي للإعلام. حرية التعبير.. مطلب وغاية للصحفيين أينما كانوا، ولكنها كانت دائما مهمة تهدف دائماً إلى البحث عن الحقيقة التي تمثل قيمة إضافية للمواطن، تمس حياته وتؤثر على مستقبله وقراراته. كشف الفساد، التجاوزات في المال العام، انتقاد القرارات المبني على دراية وفهم للجوانب التي قد تخفى عن بعض الجهات الحكومية، توعية الرأي العام وتشجيعه لاتخاذ موقف ما من قضية مصيرية.. كل ذلك قد يتطلب صداما أو ما يشبه مواجهة بين الصحافة والمسؤول، لكنّ حبّ الوطن والحرص على مصلحته هو ما يجمعنا مهما اختلفنا. هذه هي القيمة التي تمثلها حرية التعبير بالنسبة لنا، أما ما يجري عبر مواقع التواصل الاجتماعي فهو في معظمه تسطيح لهذا المفهوم، وابتذال تجاوز الأخلاق والقيم، وكل المعاني التي نمثلها كشعب ودولة. صحيح .. هناك مبدعون في الفكر والموسيقى والفن ومجالات أخرى وجدوا مساحة للتعبير عن أنفسهم وتسويق ما يملكونه من مواهب وإمكانات عجزنا في إعلامنا عن الترويج لها واستقطابها، لكن ما حجم هؤلاء ومتابعيهم مقارنة بمن ينشر السخف و"قِلة الحيا" بين أبنائنا؟ من وقت لآخر نسمع باستدعاء أحد المغردين أو مستخدمي تلك المواقع للتحقيق لأنه تجاوز حدود الأدب، أو "فشّلنا" أمام العالم بشكل فاضح لا يمكن السكوت عنه، لكنّ التحديات الدولية والإقليمية وقضايا مثل الأمن ومحاربة الإرهاب أهم بكثير من متابعة أشخاص مثل هؤلاء رغم خطورتهم على المدى البعيد. لا يمكن ملاحقتهم جميعاً، ولا حجب وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الجزء الأكثر إثارة ومشاركة في مكاتبنا ومجالسنا، ولا حتى خلق بوابات تصفية كتلك التي لدينا فيما يسمى الآن بالإعلام التقليدي .. فما الحل إذاً؟ ليس هناك حل سحري للوقوف في وجه هذه التجاوزات، ولكن إعادة الاعتبار للأخلاق والقيم وتشجيع النماذج الإيجابية في المجتمع، وخلق القدوة في كل مجال بما في ذلك الترفيه والكوميديا التي تصنع البسمة دون تجاوز، يبقى من أهم الأسباب التي ستجعلنا ننجح في وقف هذا الزحف من الابتذال الرخيص الذي لا يمثلنا من يمارسه مهما بلغ عدد متابعيه.