الخطيب: السعودية تستثمر 800 مليار دولار في المشاريع والوجهات السياحية.. ستغيّر الخارطة عالمياً    "تريند مايكرو" تكشف عن خططها لحماية مستخدمي أجهزة الكمبيوتر المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية النمسا    أمير القصيم يشكر المجلي ويشيد بتقرير واحات محافظة المذنب    المملكة و26 دولة يؤكدون أهمية تعزيز التعاون الدولي في مجال سلامة الذكاء الاصطناعي    القبض على وافد بتأشيرة زيارة لترويجه حملات حج وهمية ومضللة    ضبط 117 حالة اشتباه بالتستر في أبريل    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    الداخلية: دخول مكة والبقاء فيها ممنوعان للزائرين    نفاد تذاكر مباراة الاتحاد وضمك    ارتفاع الصادرات غير النفطية 3.3% بالربع الأول    السعودية تدعم عمليات الإنزال الجوي الأردني لإغاثة الفلسطينيين في غزة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة    تحويل مطار أبها الدولي إلى «المطار الصامت».. كأول مطار في السعودية    "الصناعة والثروة المعدنية" تصدر 54 ترخيصاً صناعياً جديداً خلال مارس 2024    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    السعودية تفوز بعضوية مجلس منتدى النقل الدولي ITF    رفع كسوة الكعبة المشرَّفة للحفاظ على نظافتها وسلامتها.. وفق خطة موسم الحج    أدبي الطائف يقيم الأمسية السودانية ضمن لياليه العربية    رابطة روشن تعلن عن إقامة حفل تتويج للهلال    فرص تمويل واستثمار ب"كان" من الصندوق الثقافي    محمية الملك سلمان.. أول موقع رئيسي للتنوع البيولوجي    نائب أمير الرياض يرعى حفل تخريج الدفعة ال 49 من طلاب مدارس الرياض    تمكين المرأة.. وهِمة طويق    تخريج 700 مجند من دورة «الفرد»    مغني الراب.. راح ضحية استعراض مسدسه    أزمة بين «سكارليت» و«شات جي بي تي» والسبب.. تشابه الأصوات    أمير تبوك يكرِّم الطلاب والطالبات الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقات    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 142 مجندة من الدورة التأهيلية    قوة فريق العمل    جنة الأطفال منازلهم    العمر.. والأمل    علم النفس المراحل العمرية    لا فيك ولا في الحديد    لقاء علمي يستعرض تجربة بدر بن عبدالمحسن    خبراء يناقشون تجربة «أوبرا زرقاء اليمامة»    هيئة المتاحف تنظم المؤتمر الدولي للتعليم والابتكار    تنمُّر التواصل الاجتماعي.. قصة كارسون !    وصول ركاب الخطوط السنغافورية بسلام بعد رحلة جنونية    رحلة في العلاقات السعودية الأمريكية.. من المُؤسس إلى المُجدد    "الصحة": اشتراط ثلاثة لقاحات لأداء فريضة الحج    ثلاثي روشن يدعمون منتخب البحارة و رونالدو: فخور بتواجدي مع البرتغال في يورو 2024    البرتغالي جوزيه مورينيو في ضيافة القادسية    واتساب يتيح قفل المحادثات على الأجهزة المتصلة    229 مشروعاً تنموياً للبرنامج السعودي في اليمن    الخريجي يقدم العزاء بمقر سفارة إيران    أتالانتا الإيطالي "يقسو" على باير ليفركوزن الألماني.. ويفوز بلقب الدوري الأوروبي    معرض «لا حج بلا تصريح» بالمدينة المنورة    د. خوقير يجمع رجال الإعلام والمال.. «جمعة الجيران» تستعرض تحديات الصحافة الورقية    السبت الكبير.. يوم النهائيات الخمسة.. العين يطمح للقب الآسيوي.. والأهلي لتأكيد زعامته للقارة السمراء    حاتم جمجوم يتلقى التعازي من الأمراء والمسؤولين في حرمه    الاستعداد النفسي أولى الخطوات.. روحانية رحلة الحج تبعد هموم الحياة    توريد 300 طن زمزم يومياً للمسجد النبوي    الأمير سعود بن مشعل ترأس الاجتماع.. «الحج المركزية» تستعرض الخطط التشغيلية    الكاتب العقيلي يحتفل بتخرج إبنه محمد    آل مجرشي وآل البركاتي يزفون فيصل لعش الزوجية    "أبرار" تروي تحديات تجربتها ومشوار الكتابة الأدبية    استشاري: حج الحوامل يتوقف على قرار الطبيب    جناح الذبابة يعالج عيوب خلقية بشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المارك وثّق صورة من ملامح ثقافة الصحراء
أحاديث في الأدب الشعبي
نشر في الرياض يوم 06 - 10 - 2016


فهد المارك
يقول الباحث القدير فهد المارك في كتابه "من شيم العرب ج2 ص53،ط3" :"موضوع كنت أجهل كنهه لو لم يأتِ عرضاً في مجرى قصتنا هذه –الشقي الذي شقي به أهله- وهو أنني أعلم أن الجار أو المستجير مهما ارتكبا من الشطط عمداً أو خطأً فإن زلتهما مغفورة مهما بلغت من الضخامة، ولكنني أجهل أن الجار أو المستجير إذا ارتكب خطيئة وهو عند مجيره، ثم عاد إلى أهله فإنه يتحتم عليه أن يشد الرحال هو ونخبة من رجال قبيلته من أجل أن يعرب عن شكره وتقديره لمجيره على تسامحه عن عثراته التي ارتكبها خلال الليالي التي قضاها في جواره، فإن لم يأتِ هذا المستجير بعد ما يصل إلى أهله في خلال مدة أقصاها سنة كاملة، فمعنى ذلك أن هذا المستجير إما أن يكون مستهتراً بحق مجيره أو جاحداً لمعروفه، فعندئذ ترتفع عنه حصانة الجوار السابقة بانتهاء المدة الزمنية سالفة الذكر، ويكون للمجير الحق في أن يطالب مستجيره بالجريمة التي ارتكبها خلال إقامته، اللهم إلا إذا استدرك الأمر، وأبدى اعتذاره بفوات المدة التي أهملها، فعندئذ ينتهي الأمر بالتسامح وإعادة الماء إلى مجاريه".
أما القصة التي نبهت المارك إلى هذا الأمر فملخصها أن رجلاً كان مطالباً بالثأر لجناية قتل حدثت منه لأحد رجال قبيلته فلجأ مستجيراً بإحدى القبائل المجاورة لقبيلته، وقبلت إجارته، وبهذا أصبحت حمايته من العدوان مسؤولية رجال هذه القبيلة ومثل هذه القصة تتكرر في الماضي ولا مذمة فيها، فظروف الحياة مثلما تقسو فإنها تلين أمام مكارم الأخلاق التي لا تخلو منها قبيلة من أهل الصحراء.
أثناء إقامة الرجل مكرماً ومحتفى به وآمناً من عدوان خصومه (من قبيلته) وفي الاحتفال بعيد الفطر وأثناء مباهاة الشباب بمهاراتهم في الرماية انطلقت رصاصة من بندقية ابن المستجير قتلت ابن مجيره، وكان والد القاتل أكثر تألماً من سواه، أما والد القتيل فلم يبد جزعاً وفاء بإجارته القاتل، ولأن الحادث كان خطأً، وهو مسؤول عن حماية المستجير، ولم يرد أن يشعره بجزع الفقد وألمه. ويستمر سوء حظ الرجل ليقتل الابن القاتل الابن الثاني للمجير في الاحتفال بعيد الأضحى، فازداد ألم المستجير وعاف الحياة رغم صلابة المجير واعتباره الحادثين قضاء وقدراً. استأذن المستجير مجيره في العودة إلى دياره معرضاً نفسه لعقوبة قومه فالموت أحب إليه من حياة يعاني خلالها من الخجل والألم ما ليس له مقدرة على نسيانه، وحاول مجيره ثنيه عن المغادرة إلا أنه لم يستجب.
قدر مضيفه وأذن له فعاد إلى دياره ولكن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند، فعندما علم أصحاب الثأر بما حل بالرجل من ألم تركوه وشأنه وتنازلوا عن المطالبة بالثأر.
ظل الرجل في سدرة من أمره كلما رأى ابنه تجددت آلامه وعندما اقتربت نهاية السنة ذكرته زوجته بواجبه تجاه مجيره برفع الراية البيضاء له لحسن جواره وتغاضيه عن جريرة ابنه القاتل.
وبعد تشاور مع قبيلته الذين يشملهم واجب رفع الراية البيضاء للقبيلة المجيرة على مواقفها المشرفة اتفقوا على المسير إليهم شاكرين ومقدرين، ولكنهم تأخروا شهرين من بعد مضي السنة دون أن ينفذوا اتفاقهم، وبالمقابل كانت القبيلة الأخرى تشعر بالحرج ألا يعترف بما قدموا من جميل وحسن جوار.
يقول المارك رحمه الله: "كان الثلثان الأولان من الليل قد انصرما.. وكان الظرف شتاء، والنجوم تحجبها السحب المتراكمة، والليل حالك السواد، عندما بدأ الكلب يهر بقوة وعنف يطارد الرجال الذين جاؤوا خلسة،،، وفجأة يسكت الكلب من نباحه" وهنا أيقظت الزوجة القلقة زوجها: قم، الرجال وصلوك، لقد أدركت الزوجة أن الكلب عرف القادمين فسكت عن النباح، ولم يخطر ببالها غير مجيرهم، ولامت زوجها حينها على التأخير وحاول اقناعها بما تم بهذا الأمر.
كان الانقلاب في سلوك الكلب من مهاجم إلى مستقبل وحارس يبدي مشاعر الفرح بعكف ذيله واقترابه من الضيوف والقفز أمامهم ومن خلفهم يأخذهم إلى المضافة، كان ذلك من أشد العوامل وأقواها تأثيراً في نفسية الضيوف الذين قدموا لاستعادة حقهم وإذا بقائدهم "يقف مبهوتا لا يسير إلى الأمام خطوة واحدة وبطبيعة الحال وقف رفاقه المهاجمون خلفه ينتظرون أوامره" الذي قال: "إن هذا الكلب ترك مقاومته لنا بعد ما عرفنا بحكم الألفة السابقة فكيف لا نترك أهله ونعفو ونتسامح عن ابن جارنا مهما كان أبوه مستهتراً بحقنا" وعندها استيقظ الرجل والحي بأكمله واستقبل ضيوفه الذين أشعروه بحسن النوايا بعد قدومهم لإيذائه.
وهكذا تمت المصالحة، وسار المستجير ورجال قبيلته يرفعون الراية البيضاء لمجيريه.
الموقف من رجال ذلك الزمن لم يكن عائداً لموارد ثقافتهم التي لم تكن غير ما يبدعه فكرهم لمعالجة قضايا حياتهم وفق ما يحقق لها الاستقرار وتخفيف حدة المعاناة من ظروف الصحراء القاسية، ولا يختلفون عند تقدير الظروف المحققة للسلامة عند الأخذ والاستسلام لأنظمة القبائل الأخرى واعتمادها في نظمهم القبلية وقيمهم الاجتماعية، ولأن ما قام به الكلب أيقظ في النفس البشرية نزعتها الإنسانية الرامية إلى الخير فإن هذه القصة تنقل إلينا صورة من ملامح ذلك المجتمع الذي يصفه مؤرخونا بالعنف وعدم الانضباط مع وجود أنظمة الضبط الاجتماعي التي كانت تسود ذلك المجتمع.
ومن هذه القصة نقتبس نظرة السابقين إلى حرمة القتل العمد والعدوان، وحسن الصفح عن القاتل الخطأ مقابل رادع من مال أو غرم ونحوه، ووجوب النجدة وإغاثة الملهوف، وحرمة الجوار وأهمية الاعتراف بالجميل ورده بأحسن منه، والاستئناس بتصرفات الحيوان ذات الدلالة على قيمة اجتماعية سامية، وأخيراً قيمة الالتزام بالأنظمة والقوانين القبلية واحترامها لأنه في الالتزام بتطبيق الأنظمة سلامة وحفظاً من التسيب والإهمال.
إن كتاب من شيم العرب في أجزائه الأربعة ثروة ثقافية عن حياة الصحراء وإبداعاتها منها ما عفا عليه الدهر وأصبح من غير المناسب إثارته، ومنها ما يجب طرحه أمام الأجيال، وكان من واجب وزارة الثقافة والإعلام أن تعهد إلى لجنة متخصصة تنتخب منه ما يصلح للتوعية وما يحفظ للموروث الثقافي سماته وملامحه، وتصدر ذلك في كتاب جديد يحمل عنوان "المنتخب من شيم العرب" للاستاذ فهد المارك، وإعداد اللجنة العلمية، مثل هذا مثل كتاب موسوعة مكارم الأخلاق التي أشرف عليها الدكتور مرزوق بن تنباك والتي استقت مادتها العلمية مما أثر عن العرب في الفصحى.
ويعمم الكتابان على المكتبات العامة ومكتبات الجامعات والمدارس.
وبالله التوفيق
د. مرزوق بن تنباك
عبدالرحيم الأحمدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.