مشروعات البنية التحتية في كل أنحاء العالم تحظى باهتمام بالغ، بل إنها تشكل تحدياً حتى لتلك الدول الأكثر تقدّماً وتطوّراً، فهي علامة بارزة على التحضّر ومؤشر واضح على النمو والتقدم، وتوليها الحكومات اهتماماً لا يمكن أن تخطئه عين، فتذهب حتى الدول المتواضعة على المستوى المالي إلى مقايضة تطوير بنيتها التحتية بمنح مشروعات أخرى للمطورين ذات علاقة مباشرة وأساسية باقتصادها. تستحوذ البنية التحتية على نصيب لا يُستهان به في ميزانيتنا؛ فمشروعات المياه والنقل والكهرباء حيوية، واستحقاق لا يمكن التخلي عنه بسبب تزايد أعداد المجتمع وتوسّع الرقعة العمرانية ما يجعل التطوير أمراً مفروغاً منه. خلال الأيام الماضية هطل المطر ليكشف حجم تهالك بعض شوارعنا التي يغطيها الإسفلت بلونه الفاقع السواد، فالسيول تشكّلت وامتلأت بها الأودية والطرق لتحجز العائلات وتعطّل الحياة العامة وتضطر معها وزارة التعليم إلى إقفال المدارس بحجة أن المطر قد هطل بغزارة، ولا نعرف ماذا يفعل البريطانيون الذين تبلغ معدلات أيامهم المطيرة نحو 106 أيام في السنة "حسب مكتب معلومات المناخ" بخلاف الثلوج وموسم الشتاء، أو الماليزيون الذين يفاجئهم المطر في اليوم أكثر من مرة. في السابق شكّلت بعض الأنفاق في المدن الكبرى مثل الرياضوجدة مأزقاً، وتم ترميم الوضع بإصلاحات لدرء خطر السيول، ثم زاد الطين بِلة انكشاف أن مواقع كثيرة في بعض مدن المملكة تحوّلت فيما بعد إلى أحياء سكنية، وهي في الأساس مجرى للسيل يسلك طريقه الجغرافي عندما يهطل المطر بغزارة، الأمر الذي يعد بالغ الخطورة إن لم يتم توسيع شبكة تصريف السيول في تلك الأحياء، فالتقلّبات المناخية التي يشهدها العالم لا يمكن التنبؤ بحجمها، والأمطار التي هطلت على الرياض والقصيم لأربعة أيام لم تحدث منذ أكثر من 30 عاماً. في واقع الأمر أن تحول الشوارع والتقاطعات داخل بعض أحيائنا في المدن والطرق السريعة إلى بِرك وبحيرات يدعونا إلى التساؤل حول كيفية إجازة مثل هذه المشروعات من جهة التصميم، وكيف تم تنفيذها دون وضع الأمطار والسيول في الاعتبار، والأسوأ من ذلك أن تلقي الجهات باللائمة على بعضها. إن ما وقع قبل أيام قد يتكرر هذا العام أو العام المقبل، فماذا أعددنا؟ إن من الواجب على الجهات المسؤولة، وعلى رأسها وزارتا "البلدية والقروية" و"النقل" ممثلة بالوزيرين، إضافة إلى هيئة مكافحة الفساد "نزاهة" فتح ملفات الطرق السريعة والشوارع في الأحياء السكنية، وأخذ الأمر على محمل الجد، ومراجعة المشروعات السابقة، والتأكد من مطابقتها لما تم الاتفاق عليه في الأساس، وعدم تقاذف هذا الملف. كما أن المشروعات التي تقوم بها هاتين الوزارتين خلال هذه الأيام من أنفاق وطرق يجب على القائمين عليها متابعة مواءمتها والتأكد من استعدادها لمثل هذه المناخات الجوية مستقبلاً، وأن نستفيد من الدروس التي حصلت وتحصل في الرياضوجدة ومدن المملكة الأخرى، وألا نقع في ذات الأخطاء ونكرر نفس الأعذار، نعرف أن الوزارتين تنفذان عدداً من المشروعات المتعلقة بدرء مخاطر السيول، ومن الضروري مراقبة تنفيذها وعدم تعثرها.