يدفعني إحساسي بأهمية علم العروض (أو علم بحور الشعر)، وكذلك شعوري بقصور معرفتي ومحدودية معلوماتي فيه إلى العودة إلى المؤلفات التي تختص بهذا العلم -قدر الإمكان- للاستفادة منها واكتساب بعض المعلومات التي أجهلها، ومن بين المؤلفات القليلة التي اهتمت بهذا العلم في جانبه المتعلق بالشعر النبطي أجد كتاب (طواريق النبط) للباحث القدير الأستاذ إبراهيم الخالدي أكثر المؤلفات جاذبية ومُتعة للقارئ بغزارة معلوماته، وحرص مؤلفه على التبسيط وذكر العديد من النماذج الشعرية للبحور التي استخدمها الشعراء الشعبيون، إضافة إلى شجاعته في التجريب ووضع اقتراحات لطواريق جديدة لم تجد عنايةً من الشعراء الشعبيين بالنظم عليها. كتاب (طواريق النبط) مليء بالفوائد الجميلة والملاحظات الدقيقة، ومن الجزئيات التي لفتت نظري في هذا الكتاب حديث مؤلفه عن "مسميات البحور النبطية"، وتأكيده على مسألة الرغبة في "إعادة النظر في التسميات الحالية للبحور والألحان النبطية، والتي أدى عدم علمية البعض منها إلى الخلط بين الأوزان، وإعطاء الشعور بأن بحور الشعر العامي أكثر من أن تُحصى". فقد استعرض الخالدي بحور الخليل التي تُستخدم في الشعر النبطي بمسميات خاصة استقرت تسميتها واشتهرت مثل: الهلالي والصخري والمسحوب وغيرها، كما استعرض بحورًا أخرى استخدمها الشاعر النبطي من دون أن يكون لها مُسميات خاصة تُعرف بها، وناقش أيضًا أسباب بعض التسميات الشائعة وغير الشائعة ك "الشيباني" وغيره. لكن الملاحظ هو عدم حرص الخالدي على اقتراح مسميات جديدة للبحور النبطية التي لم تُعرف بمسميات خاصة كما فعل حين اقترح صيغًا جديدة في طواريق البحور، واكتفى بالإشارة إليها بأسمائها الأصلية مع إضافتها إلى وصف: "النبطي". ربما، أقول ربما، رأى الخالدي بأن اجتهاده في اقتراح مسميات جديدة سيفتح بابًا واسعًا يدخل منه المعترضون الذين لن يقبلوا بسهولة أي مسميات لا ترتبط بتعليلات شديدة الإقناع، خاصة أنه قد أعلن في مقدمته عن طموحه في الوصول إلى اتفاق "على تسميات ومفاهيم محددة فيما يتعلق بهذه البحور والطواريق". إضافة إلى ذلك ربما فضّل مسميات بحور الخليل الشائعة على مسميات جديدة قد لا تجد القبول والشيوع المأمول لدى الباحثين والشعراء، ولا يخفى عليه وهو الباحث الكبير أن هناك الكثير من التسميات التي تكاد تندثر لقلة من يعرفها أو يستخدمها، فعلى سبيل المثال أورد الدكتور سعد الصويان في (أيام العرب الأواخر) قصيدة للشاعر عدوان الهربيد على طرق غريب يُسمى "نقز الجربوع"، ولا أظن أحدًا يعرفه بهذا الاسم الآن. كذلك فقد ذكر الأستاذ عبد الرحمن البطحي في تقديمه لإحدى قصائد (ديوان الشاعر عبدالله بن سليمان بن حسن) أن القصيدة بُنيت على طرق يقال له "أبو ركبه"، وأضاف "وهذا الطرق لا أعتقد أن كل شاعر يستطيع إجادته لأن شطره الأول طويل وعجزه قصير جدًا وهذا سر صعوبته"! ونتذكر اقتراح الدكتور عبدالله الطيب إطلاق مُسمى "البحور الشهوانية" على عددٍ من بحور الخليل المعروفة، لكن هذا المسمى لم ينل ترحيبًا رغم حرص صاحبه على تعليله تعليلاً مُقنعًا، وكذلك لم تجد المسميات التي ذكرتها قبل قليل الانتشار برغم طرافتها وغرابتها، والخالدي على وعي تام بمدى صعوبة تقبل بعض الاقتراحات الجديدة، وعلى درجة من الذكاء تجعله لا يقترح إلا ما يشعر بإمكانية استجابة القراء وتفاعلهم معه. أخيرًا يقول خلف الضيف: عن عيون اللي يحبّك ليه غايب ما بقى له من رحلت أي إتجاه جاي تسألني: تبي نرجع حبايب؟ تسأل الغرقان: محتاج ل نجاه!