قضيت بعض الوقت من الفصل الدراسي الماضي في أميركا ولقد ذهلت من تلك الدرجة العالية من الصحة والنشاط التى يتمتع بها كبار السن هناك. كثير ممن احتجت لمراجعتهم في موضوع أو آخر كانوا في نهاية الستينات أو حتى في السبعينات بل وفى الثمانينات. يكفي أن الطبيبة التى كنت أذهب إليها تبلغ من العمر خمساً وسبعين سنة وكانت في كامل قواها العقلية وكنت أختلس النظر لمراقبتها وما رأيت إلا جودة متناهية في العمل ومتابعة دقيقة. لقد بدأ علم نفس النمو في دراسة مراحل العمر المتقدمة بعد أن تحسنت حياة الفرد وأصبح يعيش حياة أطول بجودة أفضل وبات من المهم دراسة هذه الفئة بعدما كان الاهتمام منصباً تماماً على مرحلة الطفولة والمراهقة. وهناك بعض المجتمعات التي ارتفع فيها متوسط حياة الفرد فعلى سبيل المثال تصل فى اليابان إلى أربعة وثمانين عاماً وفي الثمانينات أيضاً فى دول أخرى مثل أسبانيا وأستراليا وسويسرا وتنخفض لتصل إلى الستينات والخمسينات كما هو الحال في غانا وكينيا ونيجيريا وباكستان. من المؤكد ولا شك أن الأعمار بيد الله ولكنْ هناك سبب لكل شيء، وللأسف الشديد ورغم أن دول العالم العربي والإسلامي في معظمها تقع في المتوسط من حيث الأعمار ولكن لا زلنا نساهم بطريقة أو بأخرى في عدم توفر الصحة النفسية والجسدية لكبار السن لدينا. فنحن نمارس ما أطلق عليه العنف الزمني فما يكاد يصل الفرد لدينا للخمسينات وبالذات الإناث إلا ونفرض عليهم قيوداً كثيرة تقودهم قهراً إلى عدم الحركة والشعور بالإحباط النفسي، وبالتالي نفتقد خبرة هذه الفئة وعطاءها الذي أثبتت المجتمعات المتقدمة أنه يمتد لسنوات ولا ينتهي عند أبواب الستينات. وبالطبع كبار السن لدينا يشاركون فى خلق مأساة العمر فنرى قلة في ممارسة النشاط الرياضي الذي أثبت دوره الهام حيث ُوجد أن ممارسة المشي ولمدة أربعين دقيقة ثلاث مرات فى الأسبوع تساعد في تأخر تقلص الدماغ مع التقدم في العمر وتساعد على التركيز والتذكر الجيد وتقلل من القلق واضطرابات المزاج وعلى التقليل من الإصابة بالجلطات التي تقلل من قدرة الفرد الفكرية والحركية. فلقد أجريت دراسة في جامعة إلينوي الأميركية على مجموعة تتراوح أعمارهم بين عمر 59 و 80 عاماً ممن كانوا يمارسون الرياضة وعينة أخرى لا تمارس الرياضة. فوُجد أن المجموعة التى تمارس الرياضة تتمتع بقدرات فكرية أفضل حتى من حيث التخطيط والقدرة في التعامل مع الغموض والإدراك وتقلل من الإصابة بالاكتئاب. وبما أن الرياضة تساعد فى صحة القلب فلقد وجد أن الأفراد الذين تضخ قلوبهم دماً أقل من الطبيعي يقل حجم الدماغ لديهم. وتزيد إصابتهم بالزهايمر حيث إن هناك علاقة بين هذا المرض وتقلص حجم الدماغ. وهذا منطقي لأن عدم تدفق الدم الكافي من القلب ينقص كمية الأوكسجين التى تصل الدماغ، فمن الواضح أن قوانا العقلية ترتبط بصحة قلوبنا خاصة مع تقدم العمر. أخيراً لا تدهشوا أن الرياضة تحسّن حتى مستوى التعلم ونحن نقول العقل السليم في الجسم السليم ولكن للأسف لا نطبق ذلك. لمراسلة الكاتب: [email protected]