تطرح البروفيسورة فيرجينا هيلد Virgina Held موضوعا مثيرا للاهتمام وقلما تم التطرق إليه، بل يعد الأول من نوعه حتى في الغرب، وهو موضوع العناية Caring.. فما القيم والأخلاقيات التي تكمن وراء مفهوم العناية؟ كيف ننظر الى العناية كقيمة وكممارسة ؟! وعلى من يقع عبء العناية بالآخرين؟ وما علاقة العناية بالحقوق وبالقانون وبالعدالة وبالمجتمع المدني؟ بالطبع الطفل يحتاج إلى "عناية " من والديه. الشخص الذي يمرض يحتاج الى عناية خلال فترة مرضه طالت أو قصرت. كلنا سيكبر ويصيبنا أمراض الشيخوخة، وسنحتاج الى من يعتني بنا. كما أن بعض الأفراد لديهم اعاقة تتفاوت في صعوبتها وفي درجة تعقيدها وتبعا لذلك يتفاوت كم ومدى العناية والرعاية التي يحتاجونها. تقترح الدكتورة ديموت ببك Diemut Bubeck تعريفا محددا للعناية وهو :" تلبية احتياجات شخص آخر، حيث التفاعل وجها لوجه بين الذي يعتني والذي يُعتنى به عنصر حاسم في نشاط العناية وأيضا لا يمكن أبدا للشخص الذي يحتاج إلى العناية أن يقوم بها بنفسه "وهي تميز بين العناية بشخص ما وتقديم خدمة لهذا الشخص. مثلا طبخ وجبة طعام لطفل هو فعل عناية. ولكن حين تطبخ زوجة لزوجها وهو قادر على أن يطبخ بنفسه، فإنها لا تقوم بفعل عناية هنا ولكنها تقدم خدمة له. يرى العلماء أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك رابط انفعالي أو عاطفي بين من يقدم العناية وبين من يتلقاها، فالواقع أن هناك أشخاصا يمتهنون مهنة العناية بأشخاص آخرين وليس بالضرورة أن تربطهم علاقة عاطفية بهم، ويتقاضون على هذه العناية أجرا. تنتقد البروفيسورة فيرجينا هيلد Virgina Held التطرف والمغالاة لدى البعض في تصور مفاهيم من قبيل "الفردية" و"الليبرالية"، تلك التصورات الخاطئة التي تعتقد أن المجتمع يتشكل من أفراد أحرار ومنفردين ومستقلين "تماما" عن بعضهم البعض. فنحن كما ذكرت سابقا لا بد وأن نمر بمرحلة من الاعتمادية على الآخرين. وأيضا بمرحلة نكون فيها نحن من يعتمد الآخرون عليهم في العناية بهم وبأدق شؤونهم. والنظريات التي ينطلق منها "مفهوم العناية " تقوم على أساس من العلاقات التي تربطنا بالآخرين. صحيح أن هذه العلاقات عرضة للتبدل أو الانتهاء. ولكن العبرة بوجود تلك العلاقات حتى لو اختلف الأشخاص عبر مراحل حياة الانسان المختلفة. (وللحديث بقية في المقال القادم بإذن الرحمن).. لمراسلة الكاتب: [email protected]