قلت لنفسي وأنا أسير بتؤدة في أفخم شارع في مدينتي العاصمة، سأحوّل ( العلك) إلى حنكي الأيسر فالتغيير لمجرد التغيير لابد أن يخلق لي فكرة بكر أوسالفة داخلية شيقة تشجعني للوصول إلى أفضل مطعم يقدم ( المصقعة) في مدينتي العاصمة، وأيضاً دون أن أخدش نفسي الثمينة بملل أو نزق، كان طعم العلك أو العلكة بنكهة البطيخ ونسميه في مدينتي العاصمة ( الجح ) في لهجة السكان الأصليين،بمرور امرأة مكتظة بالأنوثة وبالعطر كنت لا إرادياً قد نقلتُ العلكة إلى حنكي الأيمن، بين اليسار واليمين صرت أقلب العلكة لاستطعم الحياة وأتلذذ بمرور هذه الانثى الفائقة، لا أدري لماذا تذكرت في هذه اللحظة رأياً كنت قد قرأته لأحد المتخصصين في علم النفس كانت نشرته صحيفة محلية مكتظة بالأخبار الرسمية والصور اللامعة، يقول : أن من يقلب العلكة ذات اليسار وذات اليمين لا يملك شخصية محددة أو ثابتة سواء في حدوده الضيقة أو في سياقه العام، وأضفت بيني وبين نفسي: أو في مدينته العاصمة. مرّت الأنثى المفخخة بعطر باذخ النوايا ومرّ من بعدها على شاشة رصدي عامل ملطخ بالقذارة والدهانات الكيماوية والتوهان المسرف بسلام، مر الاثنان بسلام بينما كنت أقلب علكتي يمينا ويساراً وكنت استحلب طعمها المصطنع بسكّر ماكر ، فانتشي دون أن يظهر ذلك على من يمرر عينيه عليّ وعلى خطواتي الجائعة من الجالسين صباحاً على كراسي بلهاء في محل لتقديم القهوة والإسبرسو الأبله ومشتقاتهما البلهاء كنت قد مررت بمحاذاته وقد فاضت كراسيّه على الرصيف فأخفضت من صوت التعلك ورغبته. أعدت المرور مرة ثانية أمام الاستديو اللامع الذي تجاوزته، وحركت يدي بصورة عشوائية في محاولة أن تستجيب الصور الفخمة لحركتهما فبؤت بالفشل، مررت ثالثةً مغمضاً عيناً واحدة وباقي جسدي يمشي فوق رجلي بحركة مسرحية هزلية لعل الصور اللامعة تسجيب أو تشعر بلحظة الخَبل التي تمرني . فرددت إلى الفشل ذاته. كان العلك يقوم بردع الجوع إلا أن الثاني وقح ، تساءلت : لماذا يجوع الجسم أليس من الكمال أن لا يجوع ؟ عندما دخلت المكان كان هادئاً قلت لعله خاضع ٌ لقانون الصباح الهدوء والسكون بالرغم من صراخ الشمس العالي، أدرت عيناي بالزوايا وأصدرت صوتاً منادياً ووضعت يدي على (الكاونتر ) بقوة لكي يتعالى أي صوت ليطمئن شك أصحاب المحل المختبئين في أن يكون القادم لصّاً، بلساني حولت العلك إلى اليسار، سرت ودخلت غرفة في أقصى المحل كنت كلما اقتربت منها كانت رائحة البصل والفول أقوى وأكثر تصميماً، دخلت على الموظفين فتصايحوا : تفضل نفضل ، حولت العلك إلى اليمين وقلت بنبرة متعالية إلا أنها هادئة : لا آكل مع عمال، ثم نظرت لأكلهم وصحونهم وقلت: الفول كائن غبي يقوم بدور تاريخي في تحويل الناس إلى أغبياء مثله وأتباع، قال لي رجل فخم المحيا متلفع بثياب منمقة كان يقف خلفي بدهن عود صارخ وابتسامة مصنوعة : ماذا تريد ؟ قلبت علكي إلى اليسار وقلت بنبرة حميمية : يبدو أنك صاحب الاستديو .. لماذا لا تحضر لعمالك فطوراً يليق بهم كعمال تقوم عليهم حركة الحياة وتطورها ؟ فاحت في المكان رائحة غضب، وقال لي : (اطلع برا) ، حاول أحد العمال ان يسترضيني مع نفحة من احترام لصاحب المحل ، نقلت العلك إلى الجهة اليمين وقلت له : أنتم أغبياء وأوقاح فمن يأكل فولاً في عز الصيف في مدينتي العاصمة المشهورة بصدق الشمس وكذب الأرصفة .