بمبدأ الواثق من شعبه وتماسكه الاجتماعي وبإيمانه بعزيمة رجال أمن الوطن وقدرتهم على صون الأمن، ذهب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية لنقل تعازي قائد دولتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لذوي وأسر ضحايا التفجير الإرهابي الذي حدث في قرية القديح بمحافظة القطيف. هذه الزيارة وإن كانت لنقل تعازي خادم الحرمين الشريفين وشعب المملكة العربية السعودية لذوي وأسر الضحايا، هي في نفس الوقت رسالة سعودية للرأي العام الخارجي الذي توقع بأن القيام بمثل هذه الأعمال الإرهابية سيقود لإثارة فتنة وطنية في الداخل. فقيادة المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أرست مبادئ وقيم محددة منطلقها الدين الإسلامي الحنيف والمبادئ والاعراف العربية التي أقرتها الشريعة الإسلامية وهي المساواة بين جميع أبناء الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم المناطقية أو العائلية أو القبلية أو المذهبية. فالجميع أبناء المملكة العربية السعودية وعلى هذا الأساس تتم المعاملة بين أبناء الوطن الواحد. هذه السياسة القائمة على أساس المساواة والعدالة الاجتماعية خلال تاريخ الدولة أثمر عن مجتمع متماسك بين جميع فئاته ومناطقه وقبائله. ظهرت هذه النتيجة في مراحل ماضية وكانت ظاهرة جلية في حادثة القديح بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وفي الوقت الذي يمكن أن نتحدث كثيراً عن عدالة الدولة السعودية مع مواطنيها بشكل عام، إلا أنه من الاهمية التطرق لبعض ما جاء في تعليق سمو ولي العهد خلال مقابلته لذوي وأسر ضحايا التفجير الإرهابي لأن في بعض الكلمات دلالات سياسية كبيرة ومهمة ورسائل مباشرة تهم المواطن والوطن وفي نفس الوقت تعبر عن سياسة دولة وتوجه قيادة. أولاً: جاء في قول سمو ولي العهد ان "الدولة قائمة بدورها.. وأي أحد يحاول أن يقوم بدور الدولة سوف يحاسب". في هذه الكلمات القليلة عدة رسائل مهمة يمكن الإشارة إليها وهي تتمثل في: 1) أن الدولة السعودية منذ عهد التأسيس وحتى هذه اللحظة تعمل ضمن مؤسسات رسمية وتحت قيادة سياسية وتأتمر بأمر قائد الدولة وفي وقتنا الحالي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. هذا الدور الذي تقوم به الدولة يمكن أن يلمسه الجميع في جميع مناحي الحياة ومجالاتها المختلفة. ففي الجانب الديني، قامت الدولة على خدمة الإسلام الحنيف على أكمل وجه سواء داخلياً برعاية بيوت الله وخدمة كتابه الكريم والسنة النبوية الشريفة الصحيحة وكذلك في خدمة الحرمين الشريفين وخدمة ضيوفهما حجاجاً ومعتمرين، وخارجياً عملت وما زالت تعمل على خدمة الإسلام بإرسال الدعاة وتقديم الأموال عن طريق المؤسسات الرسمية لبناء المساجد وتقديم التبرعات الرسمية لمساعدة المسلمين. وفي الجانب القضائي قامت الدولة باحترام القضاء الإسلامي بتطبيق كل ما يصدر عن أحكام شرعية من غير تدخل في الأحكام. وفي مجال تقديم الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية وغيرها من مجالات قامت وما زالت تقوم الدولة بمسؤولياتها الرسمية المتمثلة في خدمة المجتمع بجميع مناطقه صغيرة أو كبيرة مما جعل جميع المناطق تحظى بخدمات متقاربة من بعضها. 2) ان الدولة السعودية جعلت تطبيق التعاليم الدينية وحفظ الأمن هدفاً رئيسياً ومنطلقاً لبناء المجتمع السعودي الواحد. فبجانب عوامل خدمة الدين، قامت الدولة ببناء مؤسسات أمنية على جميع المستويات الأمنية وفي جميع المناطق هدف هذه المؤسسات الأمنية فرض القانون وتطبيق التعاليم الدينية لما فيه مصلحة كل من يسكن المملكة العربية السعودية مواطناً ومقيماً. وكنتيجة لهذا العمل المؤسساتي الكبير والجهد الذي تبذله وزارة الداخلية بجميع وكالاتها الأمنية أصبح الاستقرار السياسي والسلم الأمني سمة تميز المملكة العربية السعودية من بين دول العالم وأصبح شعار "أمن وأمان" علامة تميز شعب المملكة وتميز جهدها الأمني. ومن الأهمية القول بأنه بالإضافة لما تقوم به وزارة الداخلية ورجال الأمن الرسميين، إلا أن استشعار المواطن والمقيم بأن دوره لا يختلف عن دور الدولة في حفظ الأمن جعل الجميع رجال أمن بالتطبيق على أرض الواقع وليس شعارا يقال ويردد. ولعل هذا التطبيق على أرض الواقع هو الذي دفع صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية لترديد مقولة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله عندما قال بأن "المواطن هو رجل الأمن الأول". 3) أن الدولة السعودية القوية بوحدة شعبها وتماسك أبنائها وقدرة مؤسساتها السياسية والأمنية ستقوم بدورها الرسمي كما قامت به في مراحل ماضية وفي نفس الوقت تستطيع فرض سلطتها الأمنية على جميع أراضيها ولم ولن تسمح بأي حال من الاحوال بأي عبث يمكن أن يحدث أياً كان حجمه أو شكله. هذه الرسالة واضحة وجلية بأن الدولة قادرة على التواجد في كل مكان على أراضيها وقادرة على فرض وجودها وتطبيق القانون والعدالة على الجميع، وفي نفس الوقت ترحب بكل من يساهم في البناء وتقف وتدعم توجهه. هذه الرسالة القوية والمباشرة تأتي لتقول للجميع بأن الحلم الذي تتميز به الدولة في تعاملها لا يعني الضعف وبأن الهدوء في التصريحات لا يعني الخوف وبأن الصبر لا يعني التفريط، وإنما الدولة حازمة وعازمة على فرض وجودها وفرض القانون والعدالة الاجتماعية. ثانياً: جاء في قول سمو ولي العهد أنه "لن تأخذ الدولة في الله لومة لائم.. الدولة ستبقى دولة.. وستضبط الأمن مع من يخالف كائنا من كان.. فخلينا نكون كلنا يد واحدة مع الدولة." ففي الوقت الذي تؤكد فيه القيادة السياسية بأن بحزمها وعزمها وقدرتها على فرض الامن وتطبيق العدالة الاجتماعية، فهي في الوقت نفسه تقول بأن القانون فوق الجميع بغض النظر عن ماهية الشخص أو مكانته الاجتماعية أو توجهه الفكري. هذا الأسلوب السياسي في إدارة الدولة السعودية جعلها منارة للأمن والأمان والعدالة الاجتماعية، وسيكون كذلك في مستقبلها كما جاء في تأكيد سمو ولي العهد. فالقانون فوق الجميع والدولة للجميع. ومن جهة أخرى، بصفته الرجل الثاني في الدولة السعودية، أكد ولي العهد على أهمية مساهمة المواطن في حفظ أمن دولته من خلال العمل الجماعي مع الدولة. وهذا الاسلوب السياسي في إدارة الدولة السعودية جعل المواطن يلمس على أرض الواقع بأن الأمن الذي تحفظه الدولة هو أمن له قبل غيره وبأن حفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي هو محافظة على استقراره وسلمه قبل غيره. بمعنى آخر يمكن القول بأن المستفيد الأول من الأمن والاستقرار والسلم هو المواطن والمقيم على أرض المملكة العربية السعودية وبعد ذلك الجميع، وفي المقابل فإن غياب أي عنصر من عناصر الامن والاستقرار والسلم سوف يكلف المواطن والمقيم قبل غيره. هذه الكلمات القليلة التي قالها سمو ولي العهد تجعل الجميع في المملكة العربية السعودية مطمئنا من أن الدولة التي استطاعت التغلب على تحديات كبيرة جداً سواء داخلياً بمواجهة التطرف والإرهاب أو خارجياً باستهدافها من اعداء الدين، فإنها تستطع التغلب على هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية ومن يقف خلفهما. ومصدر هذه الثقة التي نتحدث عنها جميعاً في هذه الدولة المباركة مصدرها إيماننا بالله عز وجل أولاً ثم بوحدة الصف السعودي ووقوفه غير المحدود خلف قيادته السياسية التي عملت وما زالت تعمل على خدمة الدين الإسلامي وحفظ الدماء وصيانة الأعراض وتطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذه الرسالة الداخلية التي قدمها شعب المملكة العربية السعودية ومثلها خير تمثيل في الظروف السابقة، تعتبر رسالة واضحة وجلية لكل من يمني النفس بتدخله في الشأن السعودي ليقابل بخيبة أمل كبيرة جداً. وأخيراً، يبقى أن نقول بأننا في المملكة العربية السعودية علينا واجب كبير يتمثل في تمثيل الدين الإسلامي خير تمثيل لأننا نخدم الحرمين الشريفين والسنة النبوية الشريفة الصحيحة ونخدم معتمري وحجاج بيت الله الحرام. لذلك فالجميع ينظر لنا وينتظر منا أن نكون صفاً واحداً في مواجهة الفتن التي تحاك لنا من اعداء الدين الإسلامي واعداء الامة. *أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية - جامعة الملك سعود