كلمة محلل لا أقصد بها الدور الجميل للنجم عادل إمام في فيلم "زوج تحت الطلب" ولكن هنا مع انتشار الفضائيات وتعدد الأزمات والأحداث السياسية لا تخلو النشرات الإخبارية خصوصاً من مختصين في مجالات متعددة، ينضمون تحت مسمى "محلل" وإن كان بعضهم للأسف بوضع نقطة على حرف الحاء!. قبل فترة تلقيت اتصالاً من قناة فضائية سعودية، طُلب مني المشاركة معهم، ومع ترحيبي، طلبت وهذا أمر طبيعي الموضوع الخاص بمشاركتي التي ستتم بعد ساعة والمحاور الخاصة بها، ولكني اندهشت عندما أبلغني المتصل أن الموضوع تحليلي لأسباب انخفاض مؤشر ناسداك وتأثيره عالمياً، وبابتسامة للمتصل، سألته على أي أساس تم الاتصال بي، في موضوع لا يمكنني المشاركة به، ولا أفهم فيه، والأهم أن هناك مختصين بهذا الشأن، وأخبرني المتصل أنني ضمن قائمة الإعلاميين المصنفين رئيسيين للمشاركة بالقناة، وهذه مشكلة كبيرة ونعاني منها إعلامياً في المملكة بشكل خاص. المصيبة الكبرى أن المتصل هو المعد في الوقت نفسه، فهنا مطلوب منه إعداد وإحضار ضيف، وهنا أنجز المهمة التي كلّف بها، دون معايير مهنية مطلقاً، مما يجعل هؤلاء المعدين في حال اعتذارك الطلب منك ترشيح من تراه وأيضاً رقم جوال المرشح، فلا يوجد للأسف مفهوم للتخصص لدينا، حتى أنني استغربت أثناء تواجدي بأحد المعارض المتخصصة، وجود أشخاص من المسؤولين على برنامج مهم بالقناة السعودية، لا أبالغ إذا قلت إنهم بعيدون كل البعد عن الإعلام ويعتمدون على المجاملات والفزعات في برنامجهم، والضحية بطبيعة الحال المشاهد. المصيبة الكبرى التي أوجدت لدينا مفهوم "المخلل" أن البعض يعتمد على أصدقائه ومعارفه، فتجد مشاركاتهم في فترات معينة اقتصادية وأحياناً اجتماعية وحالياً سياسية، وهذا الأمر جعل الثقة مفقودة بالمحلل السعودي المتخصص، فكانت تجربتنا الإعلامية فضائياً الخاصة بعاصفة الحزم وإعادة الأمل لاحقاً ضعيفة جداً، فلم يقنعنا إعلامي وينقذ المشهد الفضائي إلا حرفية المتحدث الرسمي لقوات التحالف العميد أحمد عسيري، حتى أنني انتقدت اليوم الأهم الخاص بإعلان توقف عاصفة الصحراء وخطاب الرئيس اليمني عبد ربه هادي، من خلال استغرابي لتخصيص قناة كبيرة لمحلل سياسي من المملكة لفترة طويلة على الشاشة، وصل به الأمر للحديث بصورة إنشائية وبعيدة عن لغة التحليل السياسي والاستشراف بهذا الخصوص، وهذا الفقر الذي وقعت فيه القناة وغيرها من الفضائيات، سببه عدم وجود بنك إعلامي مختص بتزويد الفضائيات بالمتخصصين كلٌ بمجاله، فالأمر ليس تحليلاً رياضياً اعتدنا فيه وجود أشخاص طريفين ولا يفقهون بهذا الأمر شيئاً، ووجدوا فقط للإثارة وجذب المشاهدين، كوظيفة المهرجين تماماً. المحلل السياسي لقب أطلق كثيراً على إعلاميين أو أكاديميين بالجامعات أمتعونا بطرافة وضيق أفقهم بالتحليل، وذكرنا هذا المشهد بنجومية المحللين الاقتصاديين في أيام ازدهار الأسهم، حتى أن أحد المشاهدين علق على تواجدهم الكبير بأنهم من اهم أسباب كارثة الأسهم الشهيرة. إيجاد واكتشاف المحلل المتخصص مهمة الفضائيات، إذا اعتمدت على المعايير المهنية، أما إذا اعتمدت على العلاقات أو الشللية، أو الأسماء الموجودة بعشوائية في تلك القناة، لا تستغربوا أن نستعين بعادل إمام ليكون محللاً وليس مخللاً!.