من جديد فرضت المشاكل التي تواجهها الزراعة الأسرية في العالم نفسها على معرض باريس الزراعي الدولي في دورته الثانية والخمسين التي التأمت من 21 فبراير الماضي إلى بداية مارس الجاري. واتضح من خلال مختلف فعاليات هذه التظاهرة السنوية أن من أهم هذه المشاكل، تلك التي تتعلق بالتغيرات المناخية القصوى وانعكاساتها السلبية على الموارد الطبيعية المخصصة لإنتاج الغذاء وفي مقدمتها أتربة الأراضي الزراعية والموارد المائية. بقرة لا تشبه الغول وبالرغم من أن الجدل لايزال محتدا في فرنسا وسائر بلدان العالم الأخرى عن العلاقة المستقبلية بين مختلف الأنظمة الزراعية، وعن مكانة الزراعة الأسرية فيها، فإن عددا من المزارعين الصغار سعوا إلى فرض أنفسهم على معرض باريس الزراعي الدولي الأخير من خلال منتجات يمكن في المستقبل أن تكون قادرة على الثبات أمام انعكاسات التغيرات المناخية القصوى السلبية على منسوب المياه وعلى خصوبة أتربة الأراضي الزراعية. وهذا ما تجلى مثلا بشكل واضح من خلال اختيار زعيمة دورة المعرض الأخيرة، وهي بقرة تسمى "فيلوس"، وتنتمي إلى إحدى سلالات البقر الفرنسية المحلية التي كادت أن تنقرض في ستينات القرن الماضي بسبب نمط التربية المكثفة التي انتشرت في البلاد منذ ذلك الوقت عبر السلالات الهجينة التي كان يراد منها أن تعطي في فترة وجيزة كميات ضخمة من الحليب واللحم. وكانت ملكات معرض باريس الزراعي الدولية تختار من قبل من بين غالبية الأبقار التي تنتمي إلى هذه السلالات الهجينة. وهي عموما تشبه الغول أكثر مما تشبه الأبقار بسبب ضخامتها. الياقوتة السوداء من المنتجات الأخرى التي حضرت بقوة في دورة معرض باريس الزراعي الدولي الثانية والخمسين، نوع من الكمأ الفرنسي يسمى "كمأ البيريغور" نسبة إلى المنطقة التي ينبت فيها. ويسمى هذا الكمأ أيضا "الياقوت الأسود" لأن لونه أسود ولأن سعر الكيلوغرام الواحد منه يتراوح بين خمس مئة وألفي يورو. وهو "كافيار" فرنسا وأحد سفرائها عبر المطبخ الفرنسي الراقي في العالم كله. وكثير من صغار المزارعين في منطقة "البيريغور" يعولون على هذا المنتج لمواجهة التحديات الكثيرة التي تواجههم ولتحسين أوضاعهم المعيشية. وقد دأب كبار المزارعين في العقود الأخيرة على تربية كلاب يتولى أحدها عبر حاسة الشم البحث عن المكان الذي يوجد فيه هذا الكمأ، بينما يكلف كلب آخر بحفر التربة للكشف عن الكمأة. أما الكلب الثالث، فهو مكلف بمساعدة المزارعين على إخراج الكمأة. "قرية الحمير" لوحظ هذه السنة أن المساحة المخصصة في معرض باريس الزراعي للخيول والبغال والحمير قد اتسعت كثيرا أكثر مما كانت عليه من قبل بسبب الدور المتنامي الذي تقوم به هذه الحيوانات اليوم في مجال التنمية الريفية المستدامة. فكثير من هذه الحيوانات أصبح يستخدم لجر العربات المعدة لجمع النفايات المنزلية لاسيما في القرى الصغيرة. وخصص للحمير جناح تحت عنوان "قرية الحمير". وإذا كانت بعض سلالات الحمير الفرنسية المحلية تستخدم اليوم في مجال السياحة البيئية لنقل السياح أو أطفال المدارس، فإن أنثى "سلالة البروفانس" الفرنسية من هذا الحيوان قد ذاع صيتها في السنوات الأخيرة وجيء بعينات منها إلى معرض باريس الزراعي الدولي في دورته الأخيرة، بفضل حليبها الذي تصنع منه مستحضرات تجميل منها صابون تباع الواحدة منه بقرابة 10 يورو في المحلات المتخصصة في بيع مثل هذه المنتجات. وشهد الجناح المخصص لها إقبالا كبيرا من قبل الزوار لا سيما أن الصابونة الواحدة بيعت طوال أيام المعرض بنصف سعرها. النعناع الصيني في الطريق إلى الصين ما شد الانتباه في دورة معرض باريس الزراعي الدولي الأخيرة، أن المغرب كان البلد العربي الوحيد الذي شارك فيه. وميزة المشاركة المغربية هذا العام أنها فتحت أفقا لمواد زراعية مغربية يتولى إنتاجها عموما صغار المزارعين ومنها مثلا تمور غير معروفة تماما خارج المغرب ولكن مذاقها حلو. من هذه المنتجات أيضا الزعفران والنعناع الذي التصق اسمه بالشاي المعد على الطريقة المغربية، علما أن التعاونيات الزراعية المغربية التي ينشط داخلها صغار المزارعين استطاعت في السنوات الأخيرة تنويع المنتجات المشتقة من نبتة النعناع واستخرجت منها زيوتا توضع في الشاي أو في الأطعمة أو المستحضرات الطبية. لا ننسى أيضا منتجات كثيرة أخرى أجمع المشاركون في الندوات العلمية التي نظمت في إطار فعاليات المعرض على أنها قادرة بدورها على أن تكون أسلحة يحتمي بها صغار المزارعين في البلدان النامية وبخاصة في البلدان العربية من انعكاسات التغيرات المناخية ومنطق الزراعة الكيميائية. جناح « الياقوت الأسود» أو «كمأ البيريغور» الفرنسي