يبدو أن الاتفاق حول المسألة النووية بين الولاياتالمتحدةوإيران ليس إلا مسألة وقت فقط، حتى لو استغرق الأمر عدة أسابيع أخرى. ومن الواضح أن الجانبين يريدان التوصل لهذا الاتفاق ولن يسمحا أبداً لأي كان بعرقلته. وبوجود الرغبة الأكيدة لإدارة أوباما والنظام الإيراني مصلحة في واضحة في هذا الاتفاق لن يلتفت أحد للتفاصيل الصغيرة التي قد تشوش هذه الأجواء. دخلت إيران المفاوضات حول ملفها النووي وهي منهكة للغاية من العقوبات الاقتصادية. فالبنسبة للرئيس حسن روحاني والذي رفع شعار التغيير والإصلاح في الانتخابات الرئاسية يعتبر هذا الاتفاق بمثابة أكون أو لا أكون. كذلك يدرك روحاني أكثر من أي شخص آخر في إيران أهمية إخراج بلاده من العزلة التي فُرضت عليها ويسعى جاهداً لرفعها. كما أنه يعلم جيداً أن صيغة الاتفاق المقترح تلبي كل احتياجات إيران، ويسمح لها بالمحافظة على انجازاتها النووية، والأهم من ذلك كله يدعم نظام الملالي في طهران. في النهاية روحاني ليس إلا جزءاً من هذا النظام وكل تحركاته تهدف لحمايته وتدعيمه، حتى من خلال الظهور بصورة الشخص اللطيف المعتدل. وإذا فشل روحاني في التوصل لاتفاق مع القوى الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة حول الملف النووي فإنه سيتعرض لهجوم عنيف من مناوئيه المحافظين للقضاء عليه سياسياً بحجة أن الطريق الذي سلكه كان خاطئاً، وأن سياسته التصالحية مع الولاياتالمتحدة لم تثمر. وبناءً على ما سبق فإن روحاني معني بحسم ملف بلاده النووي، ولا يقل عنه في هذا الرئيس الأميركي أوباما الذي يضع كل تركيزه على موعد انتهاء ولايته في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ويدل على ذلك جميع سياساته في الشرق الأوسط، ليس في المسألة الإيرانية فقط، وإنما أيضاً يظهر ذلك في طريقة تعامله مع الأزمة السورية وجهود مكافحة تنظيم "داعش". يريد أوباما إنهاء فترة حكمه بسلام، ويخشى أن يسجل التاريخ أن في عهده انهار الاستقرار في الشرق الأوسط، أو في أقل الأحوال أن يُسجل على عهده تحول إيران لدولة نووية، أما بعد 2016 فليكن ما يكون. من هنا يمكننا أن نفهم كيف ظهرت فكرة الاتفاق النووي، فهذا الاتفاق يؤجل المشكلة ويتركها للإدارة المقبلة. كما أن صيغته تؤكد أن على الإيرانيين التصريح بأنهم لا يريدون العمل على إنتاج السلاح النووي، وفي مقابل التصريح بنواياهم الطيبة سيسمح لهم الأميركيون بالاحتفاظ بما حققوه في مشاريعهم النووية حتى الآن. وهنا تظهر الفجوة بين النوايا وامتلاك القدرة النووية. فالاعتماد على النوايا صيغة ضبابية وتتغير كما يتغير الطقس، أما امتلاك التقنية فأمر محسوس مثل أجهزة الطرد المركزي، واليورانيوم المخصب، والمفاعلات، والمعرفة في هذا المجال، وغير ذلك من الأمور الملموسة. يمكن للأميركيين أن يشعروا بالارتياح إذا حصلوا على التزام من إيران بأن لا تمضي في مشاريعها النووية خلال السنوات المقبلة فقط. كذلك لا يوجد سبب يدفع الإيرانيين لإشعال التوتر فوراً والمضي قدماً في مشاريعهم النووية. فالوقت في صالحهم، كما أن عودة الشرعية الدولية لنظامهم ستدعم مشروعهم النووي أيضاً، ومتى ما سنحت الفرصة المناسبة لهم لن يتأخروا في تمزيق الاتفاق كما فعلت كوريا الشمالية. ولكن قد تحصل معجزة في هذه الأيام بالذات، وهو أن يدفع التراخي الأميركي إيران للتهور ورفع درجة التوتر أكثر مما ينبغي وتنهار المحادثات الجارية حالياً. أو أن يحدث تحول جذري في الولاياتالمتحدة وتقرر الاستماع لتحذيرات حلفائها في المنطقة من خطورة الاتفاق مع إيران. إيال زيسار أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب صحيفة "إسرائيل اليوم"