نائب أمير تبوك يشهد حفل تكريم طلاب وطالبات مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بالمنطقة    «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية»: بلوغ نسبة مبادرات رؤية 2030 المكتملة والتي تسير على المسار الصحيح 87%    بحضور سمو نائب أمير عسبر التدريب التقني بالمنطقة تحتفل بخريجيها للعام 1445 ه    مؤتمر بروكسل وجمود الملف السوري    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    القادسية يُتوّج بدوري يلو .. ويعود لدوري روشن    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    تعب محمد عبده    معرض الرياض الدولي للسفر يختتم غداً    ولاء وتلاحم    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    «الخارجية»: المملكة تدين مواصلة قوات الاحتلال ارتكاب مجازر جماعية    المملكة تدين وتستنكر مواصلة قوات الاحتلال ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية بحق شعب فلسطين بلا رادع    بطاقات نسك    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    في أقوى نسخة من دوري المحترفين.. هلال لا يهزم اكتسح الأرقام.. ورونالدو يحطم رقم حمدالله    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    الموسى ينتزع فضية آسيا للبلياردو    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    ترأس جلسة مجلس الوزراء عبر الاتصال المرئي.. خادم الحرمين يشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    ضبط 4,77 ملايين قرص من مادة الإمفيتامين المخدر    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    50,000 ريال غرامة التأخر عن الإبلاغ عن مغادرة المستقدمين    ضبط 4.7 ملايين قرص إمفيتامين مخبأة في شحنة قوالب خرسانية    إرتباط الفقر بمعدل الجريمة    «نفاذ» يحقق التكامل مع المنصات الحكومية    المملكة والنمسا توقّعان مذكرة تفاهم بهدف التعاون في المجال الاقتصادي    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    هيئة التراث تُسجّل 202 مواقع أثرية جديدة بالسجل الوطني للآثار    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    النساء أكثر عرضة للاكتئاب الذهاني    تظاهرة فنية في معرض «تعابير» التشكيلي..    الأهلي يلاقي الهلال .. والنصر يواجه التعاون في نصف نهائي السوبر السعودي    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في منطقة نجران    افتتاح قاعة تدريبية لتدريب وتأهيل مصابي تصلب المتعدد    «نايف الراجحي الاستثمارية» و«مسكان» تطلقان شركة «ارال» لتطوير مشاريع عقارية عملاقة مستدامة تحقق بيئة معيشية متكاملة    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء لجنة جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز    القيادة تهنئ رئيس أذربيجان بذكرى استقلال بلاده    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من جمهورية كوت ديفوار    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من وسط وشرق المملكة    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    ورحلت أمي الغالية    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    إخلاص وتميز    سكري الحمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(محب التاريخ) سفر يروي مسيرة (أمين مدني) مؤرخاً للعرب وأديباً وعاشقاً للمدينة المنورة
يرى الجزيرة العربية مهد التاريخ وأحداثه تبدأ منها وتتأثر بها
نشر في الندوة يوم 29 - 06 - 2008

يمثل المؤرخ والأديب الكبير عاشق المدينة المنورة الشيخ أمين عبدالله حمزة مدني رحمه الله مدرسة متميزة في البحث التاريخي المعاصر كما يمثل النمط المتفرد الذي لانكاد نعثر على نظير له بين مؤرخينا المعاصرين وخاصة المشتغلين بالتاريخ الإسلامي وفي كتاب (محب التاريخ) الذي ألفه الدكتوران شكري فيصل وهو أحد أدباء سوريا الشقيقة وعمل رحمه الله استاذاً بالجامعة الإسلامية بالمدينة ومصطفى ابراهيم حسين أستاذ الدراسات الأدبية المشارك بجامعة الملك سعود وتناولا بين دفتيه الكثير من الجوانب حول حياة الشيخ أمين مدني رحمه الله كمؤرخ وأديب وعاشق للمدينة المنورة والتراث التاريخي ودفاعه عن الثقافة العربية في العديد من القضايا المهمة والمحورية كقضية تدوين العرب لثقافتهم وقضية عراقة اللغة العربية وعراقة الشعر العربي أيضاً وغيرها من القضايا التي كان ينظر إليها كمفكر إسلامي ومؤرخ ويتفاعل ويتعامل معها بإحساس مرهف متقد ويعرف جيداً أهمية الدور الذي يحمله والرسالة التي عشقها وهي تاريخ أمته.
علامات بارزة
وفي مقدمته للكتاب يقول نجله معالي وزير الثقافة والإعلام الأستاذ إياد بن أمين مدني عن والده الشيخ المؤرخ والأديب رحمه الله حول صفاته الشخصية وانعكاسها وما استطاع أن يكونه لنفسه من حصيلة علمية بدأت في حلقات الدرس بالمسجد النبوي الشريف واستمرت بين مكتبات دمشق والقاهرة هما سر ذلك الاعتداد بالنفس الذي حمله معه دائماً: بين أهله وأصحابه في جلساته ومناظراته وفي صلاته مع الجميع كبروا أم صغروا ولعل في ذلك سبباً من أسباب بقائه بعيداً عن أضواء غمرت غيره.. هذه الصفات الشخصية انعكست أيضاً على فكره.. فالصلابة تجلت في أسلوب منهجي يميزه عن غيره من ذلك الرعيل الأول الذي أنار مشاعل الفكر في أرجاء الجزيرة العربية قبل نحو نصف قرن من الزمان.. تقرأ كتبه فتنقل لك سطورها منهجاً علمياً ملتزماً يسعى دائماً إلى الموضوعية وعرض الحقائق والآراء وعقد المقارنات والعودة إلى أصل الافتراضات قبل أن يصل بك إلى اجتهاد جديد.. والاعتداد بالنفس انعكس في البحث العلمي الذي كان يبذله قبل ابداء وجهة نظر أو الإدلاء بدلوه في أي نقاش وبعد ذلك يأتي الرأي قوياً مؤيداً بالحجج والبراهين والمنطق والعقل.
وإن كانت هناك من علاقات بارزة في الأعمال التي تركها أمين مدني فلعل أولها ذلك الإيمان العلمي بأسبقية الجزيرة العربية وأولوية ما خطته على صفحات التاريخ الإنساني وأن للعرب في ماضيهم القديم شأناً أكبر بكثير مما كان للعرب في جاهلية ما قبل الإسلام وأن للجزيرة العربية فضلاً في نشر العقائد واللغة والحضارة وتطوير فن الملاحة في البحر الأبيض المتوسط والسبق إلى حياة التمدن والاستقرار.
من منطلقاته
وهو في هذا وكل أعماله الأخرى.. كتباً كانت أم مقالات ينطلق من أن للكاتب والباحث دوراً أساسياً ورائداً في حياة أمته لا كمطبل أو مزمر بل كباحث عن الحقيقة يضيء من خلال كشفه لها الطريق أمام مجتمعه وجيله والأجيال التي تليه.. ويدلل معاليه على ذلك بما ورد في كتاب الشيخ أمين رحمه الله (الاستثمار المصرفي وشركات المساهمة في التشريع الإسلامي.. وأيضاً ما جاء في كتابه (الثقافة الإسلامية وحواضرها) حيث يلخص هذه النظرة في كتابه الأول قائلاً (ولا أظن أحداً يجهل أن الخوف من تحريم ما حلله الله يجب أن لايقل من الخوف من تحليل ما حرم الله. فالخوف من الوقوع في تحليل ما حرم الله وتحريم ماحلله لم يمنع الرعيل الأول من رجالات الفقه والفكر عن الاجتهاد في تنظيم تشريع قويم استوعب كل ما جد على العالم الاسلامي بعد عهد الراشدين فالقدامى لم يكونوا أقل خوفاً من المعاصرين ولكنه واجب المعرفة وضريبة العلم.. فالواجب يحتم اليوم على أئمتنا أن يخافوا من السكوت أكثر مما يخافون من الكلام فالعالم إذا أفصح بأمانة العالم النزيه عما يعلم أو عما وصل إليه اجتهاده يؤجر سواء اخطأ أو أصاب فإن له في الحالتين أجر أداء الأمانة ومتاعب الاجتهاد.. لكنه إذا سكت عما يعلم أو أراح نفسه من الاجتهاد تسبب في ضياع المجتمع.. فإذا كان نصف العلم قول لا أدري فبلبلة الجماهير تدفع المسؤولين عن التشريع لأداء حق النصف الآخر.. وهو قول: أدرى .. وفي كتابه الآخر (الثقافة الإسلامية وحواضرها) تراه يقول (حقاً إن مواجهة كل جديد بسلبية جافة جامدة لايسد الطريق في وجه الجديد.. بل هو على العكس يتيح له الانتشار لأن الرغبة في التطور تملأ النفوس فإذا لم يدرس الجديد بكثير من الواقعية ويهذب بكثير من الحكمة ويطبع بكثير من المرونة فإن الجماهير سوف تدير ظهرها للسلبية لتستقبل الجديد بغته وثمينه على أساس أنه من ضروريات التطور.. فما أحوج ثقافتنا لرعاية رواد معتدلين في قدرتهم تصفية ما يحمله طوفان الحاضر.. والأخذ بكل ما هو مفيد وصالح لحياتنا في حاضرها ومستقبلها.. وما أحوج الفكر الإسلامي إلى توعية المدارك وتطبيعها وإعدادها لتحمل مسؤوليات تختلف أزمانها وأبعادها وألوانها عن الماضي وأبعاده وألوانه.. فإذا لم يكن هناك وعي يقود الجديد لمنافعه ويدخله في نطاقه.. فإن الجديد سوف يخرجه عن عقائده وتقاليده وثقافته) ويقول في موضع آخر من نفس هذا الكتاب (فمسؤولية الرواد اليوم القضاء على المتناقضات بالحرص على تقديم ثقافة اسلامية أصيلة مبرأة من الجمود والتطرف يقتنع بها القراء والمستمعون والمشاهدون الذين ضاقوا ذرعاً بالجمود كما ضاقوا ذرعاً بالتطرف فإذا لم يتدارك الرواد الذين ألقت الدول والمجتمعات على عاتقهم عبء التوجيه الفكري فإن النتيجة التي لامفر منها سوف تكون انصراف الجماهير عن الثقافة الإسلامية واعتبارها متناقضات لا أول لها ولا آخر..).
الحكم على أعماله لدارس التاريخ
ويقول معالي الأستاذ إياد بن أمين مدني في نفس المقدمة: وبعد فهذه ليست سطوراً يستعرض فيها ابن أعمال أبيه فلدارس التاريخ الحكم على أعماله التي تركها في مجلدات تاريخية أربعة قال عنها المؤرخ المصري حبيب جاماتي في مقدمة الجزء الأول من سلسلة (العرب في أحقاب التاريخ) رد التاريخ العربي وبداياته والذي صدرت طبعته الأولى قبل أكثر من ثلاثين عاماً: رد فمن الناحية التاريخية وفق أمين مدني إلى إزالة الغموض عن طائفة من الحوادث والآراء والمعتقدات والأقوال المتناقلة بالنسبة إلى تلك الحقبة الأولى من كيان العروبة... وموازنات ما قيل وكتب وما نقل عن العرب منذ أن طاف ذكرهم على الألسنة..) والتي يقول هو عن الدوافع التي حفزته على خوض غمار البحث والتنقيب التاريخي المضني ما جاء في نفس المقدمة: (إن لكل عمل مهما كان بسيطاً أو خطيراً دوافعاً وأسباباً.. والدوافع لمناقشة هذه الموضوعات وتقديمها وصنفه في هذه الأجزاء: كثيرة.. فلقد كان في رحلاتي إلى بعض الأقطار التي تعتز بتاريخها في داخل المملكة العربية السعودية وفي خارجها من البلاد العربية.. وإلى الهند خارج البلاد العربية ما جعلني أهتم بكل ما يقال عن ماضي الجزيرة العربية القديمة في البحوث التاريخية واهتمامي بما يقال عن الجزيرة جعلني ألاحظ على المؤلفات الإسلامية عندما نتكلم عن الجاهلية والجاهلين: اتجاه أكثرها إلى ناحية واحدة مما جاء في القرآن الكريم ألا وهي ضلال قوم عاد وثمود والعذاب الذي حل بهم واقتناع اكثرهم بما جاء في الأسفار عن العماليق جبابرة الشام فلقد شط بعضهم في حكمه على تلك الشعوب وفي فهمه تفسير ما جاء في القرآن فظن: أن الله لم يبق من عادٍ وثمود باقية.. وشط آخرون في وصفهم الحياة العربية من فجرها إلى ظهور الإسلام فتخيل العرب في تاريخهم الطويل وحوشاً مشردة في فيافي الجزيرة العربية.
دعوة لمعرفة تاريخنا
وينتهي معالي الأستاذ إياد بن أمين مدني في مقدمته ل(محب التاريخ) ناقلاً عن والده الشيخ أمين ما قاله حول كتابه حيث يقول: (وما أكبر ما قام به السلف الصالح من أبناء الجزيرة الذين حملوا الشعلة ودافعوا عنها ورفعوا راية العدالة والحق والأخوة خفاقة عالية.. فما هذا المؤلف إلا دعوة عملية إلى معرفة تاريخنا الكبير وكفاحنا الطويل الذي شهده كل جزء من أجزاء عالمنا العربي الفخور بماضيه الجدير بما ينتظره في مستقبله بفضل إيمان شعوبه وترابط دوله وخيرات بلاده).
وما هذا المؤلف على ما بذلت فيه من جهد غير دراسة أولية تنتظر من يوسع نطاقها ويجد في تحقيقاتها ولعل الله يبعث همم المسؤولين عن تاريخنا فتتجه للبحث الأثري في أرجاء الحجاز ونجد مثلما اتجهت همم المسؤولين في العراق وفي مصر وفي سوريا للبحث الأثري، فكانت تلك النتائج الضخمة التي زادت المعارف بين المسؤولين وبين هذا الواجب العظيم فإن وضعنا اليوم أفضل من الأمس بكثير، فلدينا من الامكانيات ما يزيح العقبات عن طريق البحث والتنقيب).
آخذ بيد التاريخ وملازم له
ويقول الدكتور شكري فيصل في الباب الأول من المؤلف والذي جاء بعنوان محب التاريخ والمؤرخ (ما أحسست أن كاتباً من الكتاب السعوديين في هذه العقود الأخيرة انعقد ما بينه وبين التاريخ على نحو ما انعقد ما بين أمين مدني وبين التاريخ من صلات حتى ليكاد يكون ظلاً للتاريخ ونجماً لامعاً يدور في فلكه حيث دار .. ولكن أمين مدني لم يكن في ذلك تابعاً من التوابع على حد تعبير الفلكيين ولكنه كان مواكباً.. كان يلازم التاريخ ولكنه لم يكن يتابعه.. كان يستمد منه.. وكان يمده كان يهتدي به وكان إذا صح التعبير يأخذ بيد التاريخ ليضعه في مواضعه التي يضيء بها الأحداث ويغير طريقها أو يشيع في جنباتها الضوء أو البريق.. وقد تمثلت هذه الصلة بالتاريخ في مجموعة كبيرة من المؤلفات ارتدت بالتاريخ العربي إلى فجره الأول وحاولت أن تلازم خطاه مبينة عنه وموضحة له.. ومن منا لايذكر هنا مؤلفاته القيمة التي أرادها رحمه الله موسوعة للتاريخ العربي ولكنه لم يكمل منها إلا الأجزاء الثلاثة (التاريخ العربي وبداياته .. والتاريخ العربي ومصادره.. والتاريخ العربي وجغرافيته) وكأنه أحس البعد الزمني بينه وبين الهدف الذي رسمه لنفسه.. وكأنه على قوة الإرادة وشدة الحزم استشعر الضعف الجسدي الذي كان يحسه.
ويقول الدكتور شكري فيصل مستطرداً لقد أثارت مؤلفاته هذه موجة من الحركة الفكرية إذ عرض لها بعض الباحثين بالنقد وعرض لهم هو بالرد.. وأجزل الثناء عليها والاشادة بها أكثر الذين وقفوا عليها وكشفت هذه المؤلفات عن عمق البحث التاريخي عند أمين مدني كما كشفت عن أن هذا البعد التاريخي يؤلف محوراً رئيسياً من المحاور التي دارت عليها حياته العلمية وصلاته الفكرية وتحقيقاته النقدية.. ويقول د. شكري: تجد التاريخ يطالبك في مقالاته الأسبوعية مشرقاً باعثاً على التفؤل مرة وعابساً متجهماً أقرب إلى التساؤم مرة.. ولكنك تجده بأحداثه ووقائعه في كل مرة يعرض فيها المدني لقضية من قضايا العرب أو قضايا المسلمين.
مهد التاريخ
ويواصل د. شكري قائلا في الفصل الأول: المحور الفكري الذي كان يوحد آثاره والتي خلفها في التاريخ سواء كانت مقالات أو كتباً إنما هو الاعتداد القوي.. ولم لا أقول إنه كذلك الاعتداد العنيد بدور الجزيرة العربية في القيادة الدور الذي كان لها من قبل والدور الذي يكون عليها اليوم..
وفي حدود ما قرأت يقول د. شكري ما اعرف أن هناك كاتباً سعودياً أصر على ذلك وألح عليه واتخذه مادة دعوته ومركز نشاطه ينطلق منه ويعاود الخوض فيه كما فعل أمين مدني.. كان لايغادر مناسبة من المناسبات دون أن يفيد منها لتأصيل مهمات الخبرة العربية في الحركات المعاصرة.. أياً كان مداها.. عربياً كان أو إسلامياً ولم لا أقول أو دولياً كذلك.. إن الجزيرة عند مهد التاريخ.. وأحداث التاريخ تبتدئ منها أو تتأثر بها.
الرحلات واتصالها بالتاريخ
ويتصل بالتاريخ كما يقول د. شكري نوع اتصال الرحلات.. وفي الذي خلفه أمين مدني من تراث يستوقف القارئ حديثه أحياناً عن بعض رحلاته ولكن الحديث عن الرحلات لايتخذ طابعاً من الامتاع والتسلية.. ولايمضي ليعنى بالتعبير الأدبي وإنما كانت المجتمعات والمقارنات والمفارقات هي التي تستوقفه وتستأثر باهتمامه وكثيراً ما سخر ما كان يختزن من صور في ذاكرته أو ما كان اطلع عليه في رحلاته لكي ينفذ منها إلى مناقشة الحاضر من حوله ومعالجته والإشارة إلى المسؤولين عنه.. فقد أقضّته ذات حين أن بعض من الذين لم يراعوا الثقة التي وضعتها الدولة فيهم أخذوا يهدمون ما تبنيه القيادات العليا.. ولم يشأ أن يقال منهم على نحو مباشرة ولا أن يسميهم ولا أن يشير إلى مناصبهم ولا أن يذكر أعمالهم أو يصفها وإنما لجأ إلى ما كانت وعته ذاكرته في رحلاته من مشاهد وقصص فاستعار هذه المشاهد وألقى بها على الواقع الذي أراد أن يعرض له أو أن يعرّض به.
الأديب وعاشق المدينة
جانب من شخصية أمين مدني تتمثل في ممارساته الأدبية.. هكذا يقول د. شكري فيصل في مؤلفه وهي ممارسات بعضها يتصل بالابداع الأدبي أو الأدب الإنشائي وبعضها يتصل بتاريخ الأدب وبعض ثالث يتصل بقول الشعر.. وفي المقالات التي تقصف بالطابع الأدبي يبدو عنده نزوع واضح إلى القصة ولعله كان يتطلع إلى الرواية كما يقول هو نفسه.. ولكن الرغبة في التجديد ومعانقة الحياة المعاصرة والانجذاب إلى الأنواع الأدبية الجديدة التي أخذ يطلع عليها حين أخذت طريقها إلى حياة الناس وطرائقهم في الابداع الفني لم تقف عند القصة والرواية ويضيف د. شكري عن عشقه للمدينة المنورة فيقول: لقد كانت المدينة المنورة تاريخاً وآثاراً وعمراناً وتنظيماً هاجساً من هواجسه كما كانت مكانتها وريادتها في الدين والعلم و الثقافة هماً من همومه يريد دائماً أن يحلو هذه الريادة ويحقق لها هذه القيادة ويدعوها الى استئناف المهمات الثقال التي نهضت بها في المراحل الأولى من قيام الحضارة الإسلامية كانت في ماضيها كما كانت في حاضرها خبزه الفكري اليومي منها ينطلق وإليها يعود وعلى ضفاف عقيقها يسمر وفي شوارعها يجول وهو حيث هو من مكانه في بيته ومكتبه كان نجماً يدور دائماً في فلكها.
مؤرخ العرب
وتحت عنوان أمين مدني مؤرخ العرب في أحقاب التاريخ الباب الثاني من الكتاب يقول الدكتور مصطفى ابراهيم حسين استاذ الدراسات الأدبية المشارك بكلية الآداب جامعة الملك سعود في مقدمة بحثه: والذي يلفت قارئ المؤرخ الراحل رحمه الله أنه بحق يمثل مدرسة متميزة في البحث التاريخي المعاصر فهو نمط آخر لانكاد نعثر على نظير له بين مؤرخينا المعاصرين المشتغلين بالتاريخ الإسلامي أو ما تصر جامعاتنا في العالم العربي على تسميته (عصور وسطى إسلامية) وعن أبرز خصائص البحث التاريخي لدى أمين مدني رحمه الله يقول د. مصطفى ابراهيم حسين (ان الرجل قد دخل التاريخ من باب ولائه وانتمائه لأمته العربية والإسلامية وغيرته على تراثها وحرصه البالغ على أن تستعيد هذه الأمة المستهدفة خطاها نحو المجد وما تزال عباراته تطالعك بهذه المعاني الجليلة في مقدماته وثنايا كتبه وخواتيمها.. ويترتب على هذه الحقبة أن أمين مدني استطاع ان يستنقذ فكره ووجدانه وقلمه من التأثير الاستشراقي بما يحمله من تصورات أو مشاعر عدائية فأنت لا تجد أمين مدني رحمه الله إلا مدافعاً عن أمته مفنداً بالدليل والحجة آراء خصومها الطاعنين فإذا بك أمام تاريخ الإسلام بل وتاريخ العرب قبل الإسلام في أجلى الصفحات وأنصعها في الوقت الذي سادت الساحة فيه بحوث في تاريخنا واقعة عن حسن نية وجهالة تحت تأثير الرؤية الغربية.
أخذ من المستشرقين ما وافق معاييره
ويضيف الدكتور مصطفى ابراهيم حسين في مقدمة بحثه قائلاً: ومع هذا فأمين مدني قد سلك أبحاث المستشرقين في مصادره بل سلك معها أبحاث الآثاريين والجيولوجيين بل والأسفار اليهودية والمسيحية وما اقترن بها من إسرائيليات لقد رجع إلى كل هذه المصادر وحكمه النقد العلمي المنهجي البناء والعقيدة الإسلامية والغيرة على تراث مجيد دون امتهان للحقيقة والحق.. إنه يأخذ من المستشرقين ما يوافق معاييره العلمية والدينية من غير ما تحرج ولا حمود ويرفض منها ما ينأي عن منهجه فضلاً عن مقصده دون تشنج ولا اساءة لأحد.. هذا إلى غزارة المادة التاريخية على نحو يثير احترام الباحث الجاد الذي يتسلح بغير قليل من الصبر والأناة والبعد النافذ قبل أن يلج إلى عالم أمين مدني في حديثه واحتشاده فضلاً عن مصادره التي لاتتميز فقط بالكثرة بل تتميز أيضاً بالتنوع في الموضوع وفي المنهج والمنحى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.