كنت أظن أن المندي المنتظر عنوان لرواية جديدة لصديقنا الدكتور أحمد العرفج، قبل أن يهديني أخيرًا مؤلّفه الجميل، ويتّضح لي أنه عنوان لأحد مقالاته التي احتوتها ضفتا الكتاب، انتقاه بحرفية وحسٍّ إعلاميٍّ في طروحاته الكثيرة، التي يقذف بها لقرّائه ومحبيه لتُشكّل حضورًا إعلاميًّا مميّزًا، يختص به عن رفقائه من الكُتَّاب. ولا يتّسع المجال هنا إذًا لعرض مقالات العرفج التي تناولها في كتابه الذي قارب 300 صفحة، لذا سأعرض لشخصه. فقد انتقى العرفج لنفسه مجموعة من الألقاب، يكثر ترديدها حتّى التصقت به ليجعل منها في النهاية وصفًا له يستفرد به. هذه الألقاب ما إن تسمعها أو تقرأها حتى يقفز أمامك "عرفوجنا" بشحمه ولحمه قائلاً: "شبيك لبيك عرفجك بين يديك"! *** صديقنا أحمد العرفج "ليس واحدًا، ولا اثنين، ولا ثلاثة" بل هو أكثر من شخصية في شخص واحد: * فهو "اليتيم": وكأنّ لا يتيم غيره.. مع أن من بلغ مثل عمره -أمدّه الله بطول العمر- لابد أن يكون حتمًا قد فقد والديه، أو أحدهما. فهو في هذا السن المتقدم يمكن لأيٍّ من قرّائه أو معارفه أن يخاطبوه ب"جدو عرفج"! * وهو "عامل المعرفة"، اللقب المُحبب إلى قلبه.. وكأنّه أحد الفواعلية الذين يحملون قصعة الحجر والطين فوق رؤوسهم، فيستبدل بالحجر القلم.. وبالطين الكتاب، فيعجن لنا مخلوطًا أدبيًّا يبني به ثقافة قرّائه. * وهو "المحاور": في برنامج (في الميدان) الحواري الجميل، يتميّز فيه بأنه يترك الرأي، والرأي الآخر لضيوفه، دون أن يشعروا أحيانًا بوجوده، فيطبّق عليهم قول الشاعر: [يَا ضيفَنَا لو جئتَنَا لوجدتَنَا نحنُ الضيوف وأنتَ ربُّ المنزلِ]. * أمّا الوصف الذي لم ينتشر إعلاميًّا كغيره من الألقاب التي اختارها العرفج لنفسه فهو "بقايا مُعتمر"، الذي وصفه به صديقاه الدكتور سعد مارق، وفهد الشريف، كما جاء في أحد مقالاته، وهو لقب -كما يقول العرفج- ليس بعيدًا عَن الصِّحة، فأسرته عادت من مكةالمكرمة بَعد أن أدَّت العُمرة، "وتَوقَّفت دَابّتنا في المَدينة المُنيرة، وطَال إصلاح "البَنشر"، الذي أقعَدَنا في تلك البُقعة الطَّاهرة، فارتأت أُسرتي الاستقرار في المَدينة، والبَقاء فِيها، وكَان نِعم القَرَار ونِعمت الدَّار"..! *** وإذا كان جوزيف جوبلز (وزير الدعاية النازي) هو أحد أبرز مَن وظفوا واستثمروا وسائل الإعلام في الحرب النفسية، فإن أحمد العرفج هو أحد تلاميذ مدرسة جوبلز النابهين، فهو يحمل شعار "التكرار يُعلم الشُطّار"، ومن تكتيكات العرفج هو كثافة الوجود والانتشار حتى قد يخاله القارئ وقد تسلل وجلس في قعر كوب القهوة الذي يتناوله في الصباح، أو بين طيات فراشه عندما يخلد للنوم مساءً!! فشعاره هو: "كرر حتى يملَّك الناس.. ويردّدوا ما تقوله عن نفسك"، فيجعلك تؤمن أن مشاهدة "قنوات غصب".. أحلى عندك من عسل دوغان! *** بَقي القَول: إن أحمد العرفج صديقٌ قلبُه قلبُ طفلٍ.. وعقلُهُ عقلُ فيلسوفٍ.. جسمُهُ جسمُ فيلٍ.. وأحلامُهُ أحلامُ عصفورٍ طليقٍ في فضاء الله اللامتناهي. #نافذة: [[أقرأ لأحمد العرفج ليس لأنه صديقُ.... الصدق... لا أقرأُ للصديق بحثًا عن قضية أجادلُ فيها، أو حتى أتثقف منها، فأنا معه في النادي نفسه، بل لأني أريدُ أن أسمعَ عزفًا منفردًا يدخل السلام على عقلي، لا قلبي وحسب.]] عبدالرحمن الراشد [email protected]