تتشابك الخيوط في فهم شخصيتها بشقيها الإنساني والفني مع ما يميز كل منهما من سجايا ونوافذ إعجاب، لكنها خيوط تكون في نهاية المطاف نسيجًا واحدًا هيأته موهبتها لتشيء بمكنونات واحدة من فنانات تشكيليات ظهرن في المشهد وتبوأن مقعدًا في الصف الأول بين مبدعات جيلها. وربما أن الحلقة لا تحتاج لدراويش جدد في حضرة تلك الفنانة المتألقة، لكن تبقى «أمل العاثم» حالة خاصة لا يحتاج أي ناقد لتقديم أو تأخير عباراته في الحديث عنها، فقط يترك العنان للكلمات التي تصطف في طابور تنتظر فرصة الوجود في حضرة تراجمها. الوضوح قاسم مشترك في أعمال العاثم، إذ تفرض على الغموض الإقامة الجبرية داخل مربع خاص قيدته خارج أعمالها، فنانة شفافة تصدر لمشاهدي لوحاتها رؤية مثالية تنطوي عليها مخيلتها. والمتأمل للوحاتها، يلحظ بالعين المجردة أن للتكوينات الفنية المتوازنة والأشكال البصرية المثالية تأثيرًا واضحًا على جميع أعمالها، التي تستنطق فيها روح الأنثى الخارجة لتوها من رحم الفن المعاصر. دارت العاثم في فلك مدارس عدة، وتؤكد أعمالها ملامح هذا التنقل، بداية من الغوص في المدرسة الواقعية التي ولجت من بعده لمدارات المدرسة التأثيرية، حتى حطت بموهبتها في رحاب المدرسة التجريدية الحديثة التي باتت منهجًا للوحاتها وعنوانًا لما تجود به لوحاتها من إبداعات لونية وتراكيب فنية معاصرة. وللعاثم طابعها الخاص القائم على التدرج اللوني الدافئ، الغارق في أحاسيس أنثوية خالصة، تتمرد فيها على فكرة الخوف من المستقبل، وقد تمرست في لوحاتها مبكرًا على الموضوعات الهادئة والمناظر المفتوحة. ورؤى العين الذواقة تكشف بسهولة مدى ما تميزت به أعمالها وقدرتها على نقل الأحاسيس الإنسانية من معارك داخلية ومنازعات روحية، لتلبسها ألوانًا ورموزًا فنية في لوحاتها، مع ما تملكه من قدرة على تحويل المشاعر الخرساء إلى أشكال لونية رائعة من الظلال والنور والانعكاسات البصرية. وتتماهى العاثم في لوحاتها مع فكرة الفطرة الإبداعية للإنسان القائمة على عدم الوقوع في التكرار والجنوح للفكرة الخلاقة والعمل اللاتقليدي، وتقدم أمل محاولات جادة لتطويع اللون متحدثًا رسميًا باسم موهبتها. تحلق العاثم بأعمالها في فضاء من التناسق اللوني تنسلخ فيه عن طبيعتها البشرية لتعيد اكتشاف موهبتها ومن ثم تعود لتأخذ متذوقي أعمالها إلى مساحة أرحب من الخيال والرؤى الحالمة في عمل جديد. ثالوث الفلسفة والشعر والفكر حاضر بوضوح في لوحات العاثم، يتفاعل ويتمازج لدرجة الانصهار ولكن برقة ولطف الأنثى، مقدمًا لوحات وأعمالًا مميزة بنكهة فريدة لها خصوصية التجربة كاملة غير منقوصة. أدواتها التركيبة مستقاة من الفلكلور الشعبي الذي يعنى بالمجتمع القطري، وتلك نقاط قوة أفادت منها العاثم واتخذتها نافذة ولجت من خلالها لكل العقول سواء كانوا من عامة الناس أو من الفنانين والمهتمين بالحراك التشكيلي ومدارسه على تنوعها وتعدد مشاربها. أمل العاثم موهبة يمكن وباختصار وضع تجربتها الفنية على كتف عنوان بارز، اختيرت كلماته برشاقة: «العاثم.. أنثى اللون». في رصيد العاثم (12) معرضًا شخصيًا في قطروالبحرين، وشاركت في قرابة 50 معرضًا في «الدوحة، الرياض، الكويت، لبنان، إيطاليا، سوريا، دبي، الشارقة، باريس، واشنطن، البحرين»، شغلت رئيس مركز الفنون البصرية (وزارة الثقافة والفنون والتراث في قطر)، حائزة على جوائز وأوسمة وشهادات شكر، منها «جائزة مهرجان الفن المعاصر لدول الخليج 2013، جائزة الشيخة سعاد الصباح لإثراء الحركة التشكيلية في دول مجلس التعاون 2012، جائزة رابطة سيدات الأعمال للمهنيات تحت رعاية صاحبة السمو الشيخة موزة 2011، جائزة بينالي الثورة في صالون الخريف - باريس 2011. (*) إعلامي وكاتب