خلال متابعتي لبرنامج اكتشاف المواهب الشهير "أمريكا لديها مواهب" لفت انتباهي المتقدمون لتجارب الأداء، ومدى تفاوت أعراقهم وأعمارهم ولغاتهم، وأثار دهشتي أن بعضهم لم يمر على هجرته إلى "الولاياتالمتحدةالأمريكية" سوى بضعة أشهر، كما كان جليّاً عدم إتقان بعضهم للغة الإنجليزية، حتى إن أحدهم استعان بمترجم فوري أثناء محاورته لجنة الحكام. وأعجبني مزيج التنوع الإنساني وجمال الاختلاف الذي يحفل به البرنامج، وتقييم المتسابقين على أساس قاعدة "الفُرص المتساوية"، دون النظر إلى ألوانهم أو مرجعيّاتهم، في جو من المودة والفكاهة والإثارة، تدعمُه تقنيات غاية في الإتقان والإبداع الفني. في رأيي أن من أهم الاختلافات بين هذا البرنامج الأجنبي، وغيره من البرامج المشابهة له في القنوات الفضائية العربية، حقيقة أن في مجتمعات مدنية غربية عانت خلال تاريخها من صراعات عرقية ودينية وسياسية، وناضلت من أجل القضاء على مظاهر التمييز الظالم بين أفرادها، تأتي برامج اكتشاف المواهب كنتيجة منطقية لعقود من تكريس ثقافة "الفُرص المتساوية" في المجتمع، لتعطي صورة صادقة عن تقييم الناس على أساس جدارتهم وكفاءاتهم، وتوضيح واجباتهم وحقوقهم ومراقبة أدائهم بشكل مستمر، فتلك المجتمعات تعلّمت من أحداث تاريخها أن التسامح الثقافي والانسجام الطائفي، في إطار العدل الفئوي، أساس بقائها واستمرار تفوّقها، وسر انجذاب العقول المبدعة إليها، وفخر أفرادها بالمواطنة الحقيقية. لاشك أن المجتمعات الغربية بمؤسساتها المدنية، ليست مجتمعات مثالية، فمشكلاتها وأخطاؤها متعددة، وبعض سلوكيات أفرادها يندى لها الجبين خجلاً، ولا تتوافق مع الفطرة السليمة، غير أنها تواجهها باعتراف وشفافية، وتدرس أسبابها وعواملها، وتضمن حرية التعبير لجميع أطراف القضية، وتسنُّ قوانين فعّالة تعمل على إصلاحها، وبالرغم من معاناة كثير من أفرادها من الفقر، إلا أن تلك المجتمعات تحاول تفعيل مبادئ الضمان الاجتماعي، وتكرّس مبادئ احترام الخصوصية الفردية والحريات المنضبطة، وتوفير الفرص المؤسساتية المتكافئة لإثبات الذات, كما تتميّز بحقيقة أن المرجعيات الثقافية لقاطنيها تحظى بقدر جيد من الاحترام المُتبادل. لكن من أهم مايُميّز تلك المجتمعات المتقدمة حضاريا، قدرة أنظمتها الاجتماعية وقوانينها الإدارية، على كشف ومساءلة أي تجاوز لحقوق أفرادها، سواء كانت بسيطة مثل دورهم في طابور مطعم وجبات سريعة، أو بالغة الأهمية كحقوقهم في التوظيف، والتعليم، والرعاية الصحية، وإبداء الرأي.. [email protected]