أعرب لي إمام مسجد -أُصلِّي فيه- عن دهشته وألمه ممّا يجده من معاناة بعض المصلّين وطلبهم منه الدعاء، فبعضهم يطلبون منه الرقية، وآخرون يشتكون ضياع حقوقهم واغتصابها.. وهو يُلخِّص حال الناس، ويستنكر استشراء بعض المشكلات وتفاقمها في المجتمع، وأستطيع تلخيص ما نقله فيما يلي: * تفاقم ظاهرة المعاناة من السحر بشتى أنواعه، ما بين ما يُسمَّى ربط الأزواج والزوجات، ومحاولة التفريق بينهم.. وبذر الشقاق بين الأهل والأبناء.. وغير ذلك من الأدواء التي يعاني منها المسحورون.. وقد حكا لي الإمام ما تدمع له العين، ويدمى له الفؤاد رغم ما ورد في شأن السحر.. فكيف يجرؤ أولئك على فعل ذلك؟! قال تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، وقال: (إِنَّ اللَهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ).. وعقوبات الساحر، ومن يذهب إليه أو يكلّفه ويدفع له وردت في غير موضع فقد قرنه الله جلّ في علاه بالشرك، وهو من الموبقات المهلكات، وهو كُفر لأنَّه لا يتوصل إليه إلاّ بالكفر والعياذ بالله.. فكيف يستهين بعض الفسّاد بالأمر ويرتكبون ما يُغضب الله، فيخسرون دينهم ودنياهم؟! وقد ورد أن ساحر الناس والمشترك في سحرهم هو -في الواقع- شيطان من شياطين الإنس لا يحب الخير لأحد، يتوسل بالشياطين ويطلب منهم من دون الله، نزعت الرأفة من قلبه.. وعقابه القتل غير أن اليهودي (لبيد بن أعصم) الذي كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم ثم سحره (كما ورد في حديث عائشة)، حتى رأى عليه الصلاة والسلام في المنام ملكين فدلاّه على مكان السحر في راعونة بئر، وفيها مشط الرسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالوا يا رسول الله لو قتلت اليهودي فقال: قد عافاني الله وما وراءه من عذاب الله أشدّ)، ومن ذهب لساحر وطلب منه السحر ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبوهريرة: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم).. رواه مسلم. وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة -أي الساحرة- والتي تسألها عمل السحر.. وإزاء كل ذلك كيف يصرّ أولئك على التعاطي مع السحر، وكيف يكون موقفهم يوم التقاء الخصوم عند الملك الجبار؟! * أمّا الجانب الثاني في الشكوى فهو يتعلق بأكل الحقوق، وهي على حد قول الإمام بدأت تستشري ويشتكي منها الكثيرون الذين ينقلون إليه ظلم الآخرين لهم، وتعديهم على حقوقهم، وأكل أموالهم، ونكران حقوقهم، قال تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ).. وقال صلى الله عليه وسلم: (من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين). فكيف يستهين البعض بأكل الحقوق ويعدّوه شطارة وانتقامًا وحفظًا لحقوقهم، وينسون عقاب المنتقم الجبار الذي لا يضيع مثقال ذرة.. ثم كيف يجعلون طمع الدنيا يلهيهم عن هول العقوبة.. وقد حرّم الله أخذ مال الغير بغير طيب نفس مالكه ورضاه، فلا يجوز غصبه ولا نهبه بغير وجه حق، لأنه يدخل ضمن أكل مال الناس بالباطل، وفي حديث أم سلمه -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَيُّكُمْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلا يَأْخُذْ بِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) رواه البخاري. * أمّا الجانب الثالث في شكوى الإمام فيختص بالخصومات، وهي إن كانت مع سائر الناس منبوذة فهي مع الوالدين أشدّ مقتًا وساءت سبيلاً، فكم يشتكي الأهل اليوم من سلوك الأبناء والبنات، وهو ما لم يكن في مجتمعنا الإسلامي الذي تربيّنا فيه على رضا الوالدين وكسر النفس والرغبة وكل شيء إذا تعارض مع رغبتهما أو جرّ عقوقاً لهما، والله سبحان وتعالى قد قرن رضاه برضا الوالدين عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ يعجّل لصاحبها في الدنيا قبل الموت).. أخرجه البخاري. [email protected]