مبدأ «الأستاذ والتلميذ» مبدأ قديم مستمر ومتواصل ما دامت العملية التعليمية والتوجيه والرعاية مستمرة ونحن نحصره هنا في «الحقل الإبداعي» وقد تكون بداية «الأساتذية والتلمذة» في تراثنا الإبداعي الشعري ما نلمسه في حقل «الرواية» أو وجود راوٍ لكل شاعر، ليصبح الشاعر أو يؤول إلى «الأستاذ» ويؤول الراوي بالطبع إلى حالة «التلميذ» وهذه العملية «عملية الرواية» استمرت طويلاً ضمن مسار الشعر العربي. ولو أخذنا «نماذج» فقط لرسم هذا المسار الروائي الذي يمثل الشاعر الجاهلي: زهير بن أبي سلمى، في بدايته فقد كان راويًا ل»أوس بن حجر» وكان تلميذًا له، وجاء «كعب بن زهير» لكي يكون راوية وتلميذًا لأبيه «زهير بن أبي سلمى» وجاء «الحطيئة» ليكون راويًا وتلميذًا ل»كعب بن زهير»، وجاء «هدبة بن خشرم» ليكون راويًا وتلميذًا لل»حطيئة»، وجاء جميل بن معمر ليكون راويًا وتلميذًا ل»هدبة بن خشرم» وجاء «كثير عزة» ليكون تلميذًا وراويًا ل»جميل بن معمر» لتنتهي به سلسة [شعراء الصنعة] أساتذة وتلمذة ورواية متسلسلة. وجاء الشاعر «ذو الرمة» ليكون راويًا وتلميذًا لأستاذه «الراعي النميري». وفي العصر العباسي الأول يستمر مسلسل الأساتذة والتلاميذ لنلمس في «بشار بن برد» تلميذًا معجبًا بأستاذه «جرير» ويصبح «أبوتمام» تلميذًا ل»مسلم بن الوليد» ول»أبي نواس» ويصبح «البحتري» تلميذًا ل»أبي تمام» ويصبح «دعبل الخزاعي» تلميذًا ل»مسلم بن الوليد»... وهكذا. وفي العصر الحديث يأخذ طابع الأساتذة والتلاميذ وضعًا مغايرًا لكنه يظل ضمن المناخ ذاته، فهذا الشاعر الغنائي «أحمد شفيق كامل» يروي أن «أحمد رامي» قال له في دار الكتب المصرية: اجلس في هذا الكرسي الذي أمامي لكي تكون الشاعر بعدي فإن «حافظ إبراهيم» كان يقول لي وأنا على الكرسي ذاته: يا رامي ستكون الشاعر بعدي.. ومن الأستاذية غير المباشرة، والتلميذة على البعد، ما كان من أستاذية «أحمد شوقي» للشاعر «أحمد زكي أبوشادي» مؤسس مدرسة «أبولو» الشعرية الذي دعا شوقي ليكون رئيسًا شرفيًا لمدرسة «أبولو» وقبل شوقي لكنه مات في نفس العام الذي أصبح رئيسًا شرفيًا ل»أبولو». ومنها تتلمذ شعراء على البعد على شعراء آخرين.. فهذا «السياب» يتتلمذ على الشاعر «علي محمود طه».. ويبعث قصائده إليه ليأخذ رأيه فيها.. وهذه الشاعرة «نازك الملائكة» تتلمذ على «علي محمود طه» كذلك وتضع عنه كتابها الشهير [الصومعة والشرفة الحمراء]، وهذان الشاعران: صلاح عبدالصبور ومحمد الفيتوري، يعرضان أشعارهما على الشاعر: إبراهيم ناجي، وهذا الشاعر «أمل دنقل» يتتلمذ بطريقة غير مباشرة على أستاذه: «محمود حسن إسماعيل» وهكذا يستمر مسلسل: الأستاذية والتلمذة في كل عصور الشعر بلا انقطاع..!!