حفل تكريم طلاب وطالبات مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بالمنطقة    طائرات "درون" في ضبط مخالفات المباني    أمريكا: العودة لرفع الفائدة.. سيناريو محتمل    «الضريبة علينا» على مدى شهر كامل في جدة    رونالدو.. الهداف «التاريخي» للدوري    وزير الحرس الوطني يرأس اجتماع مجلس أمراء الأفواج    «الشورى» يطالب «حقوق الإنسان» بالإسراع في تنفيذ خطتها الإستراتيجية    الأمن العام: لا حج بتأشيرة الزيارة    أمير تبوك يطلع على استعدادات جائزة التفوق العلمي والتميز    5 أعراض يمكن أن تكون مؤشرات لمرض السرطان    تحذير لدون ال18: القهوة ومشروبات الطاقة تؤثر على أدمغتكم    هذه الألوان جاذبة للبعوض.. تجنبها في ملابسك    إعادة انتخاب المملكة لمنصب نائب رئيس مجلس محافظي مجلس البحوث العالمي    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    تتويج الفائزين بجوائز التصوير البيئي    القيادة تهنئ رئيسي أذربيجان وإثيوبيا    اكتمال وصول ملاكمي نزالات "5VS5" إلى الرياض    القادسية يُتوّج بدوري يلو .. ويعود لدوري روشن    كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة.. ريادة في التأهيل والتطوير    70 مليار دولار حجم سوق مستحضرات التجميل والعناية الشخصية الحلال    سعود بن نايف: الذكاء الاصطناعي قادم ونعول على المؤسسات التعليمية مواكبة التطور    الملك يرأس جلسة مجلس الوزراء ويشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    أمير الرياض ينوه بجهود "خيرات"    «أمانة الشرقية» تنفذ 3700 جولة رقابية على المنشآت الغذائية والتجارية    «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية»: بلوغ نسبة مبادرات رؤية 2030 المكتملة والتي تسير على المسار الصحيح 87%    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    «جائزة المدينة المنورة» تستعرض تجارب الجهات والأفراد الفائزين    مجمع إرادة بالرياض يحتفل بيوم التمريض العالمي اليوم    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    الهلال الاحمر يكمل استعداداته لخدمة ضيوف الرحمن    المملكة تدين مواصلة «الاحتلال» مجازر الإبادة بحق الفلسطينيين    رفح تحت القصف.. إبادة بلا هوادة    مؤتمر بروكسل وجمود الملف السوري    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    بطاقات نسك    إرتباط الفقر بمعدل الجريمة    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    العروبة.. فخر الجوف لدوري روشن    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    ولاء وتلاحم    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    إخلاص وتميز    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عنقاوي: بقاء «الآثار» إلى عهد قريب دليل عدم اعتراض السلف عليها
نشر في المدينة يوم 17 - 05 - 2013

لا يفتأ يذكر ويؤكد على أهمية الآثار الإسلامية والنبوية خاصة للاحتفاظ بذاكرة الأمة وتاريخها، ففي حواره مع (الرسالة) يكشف خبير الآثار الإسلامية والمعمار الحجازي د.سامي عنقاوي عن تنقيبه لبيت السيدة خديجة رضي الله عنها وما اكتشفه فيه ومدى مطابقته لما ورد في كتب السير، كما يكشف عنقاوي أبعاد وأهداف الدراسات التي قدمت من قبل مركز أبحاث دراسات الحج إبان توليه رئاسته ويقول إن تلك الدراسات والتي صرفت فيها الدولة أموالًا طائلة لم ينفذ منها أكثر من (10%).
كما أوضح عنقاوي ما تتميز به العمارة الحجازية، وانعكاس البيئة العمرانية على العلاقات والمشاعر الإنسانية. هذه المواضيع وغيرها ناقشتها الرسالة مع عنقاوي في ثنايا الحوار التالي:
أولًا، دكتور سامي دعني أسألك لم الاهتمام بالآثار التاريخية؟
الآن التاريخ أصبح علمًا، وكل علم له دليل، والآثار هي دليل التاريخ وإثباتاته. وتاريخ بلا دليل يكون أسطورة أو خيال أو على الأقل قابل للتشكيك من قبل الآخرين الذين لا يؤمنون بما نؤمن به، أما نحن فتكون لنا فيها عظة وذكرى (إن الذكرى تنفع المؤمنين...). والعالم كله يستكشف تاريخه عن طريق الآثار، ويثبت وجوده التاريخي بها، الذاكرة هي جوهر شخصية الإنسان ومجتمع بلا تاريخ كإنسان بلا ذاكرة ويصبح المجتمع بلا هوية. والآثار من الناحية التاريخية والحضارية تعد شيئًا مهمًا لأي مجتمع في العالم وهويته.
كيف ترد على من يقول إن هذه بدعة، لم يرد فيها حديث نبوي ولم يؤثر عن السلف الصالح العناية والاهتمام بها؟ وأنه يمكن أن تستغل في تصرفات بدعية؟
غير صحيح.. فقد كان الصحابة (رضي الله عنهم) والتابعون يتحرون أماكن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسيره وحله وترحاله بها وينزهونها وينهون عن إهانتها. وبوب ذلك البخاري في صحيحه في (باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي). ثم إن البدعة هو ابتداع وخلق شيء جديد لكن هذه الآثار موجودة منذ مئات السنين فكيف تكون بدعة؟ قد تكون حصلت في فترة معينة مبالغات بدعية من عدد محدود من الناس لكن هذا لا يبرر إزالة تلك الآثار، وإنما يجب علينا تقويم السلوك الخطأ.
والدليل على الاهتمام بالآثار هو أنها بقيت إلى عهد قريب، ووجودها ومحافظة السلف عليها هو دليل اهتمامهم بها، أو على الأقل عدم معارضتهم لها، وإلا كانوا أزالوها. وأستاذنا وشيخنا عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان قد كتب دراسة وضح فيها أهمية الآثار وتحديدًا مكان مولد النبي عليه الصلاة والسلام، كما أن القرآن الكريم يحثنا على السير في الأرض والتعلم بالنظر والتعقل بالقلب في آثار الأولين (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها). وهنا لطيفة تستدعي التأمل وهي أن الأثر يحرك القلوب إما إيجابًا نحو عاطفة المحبة مثل قول الشاعر (وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا). والبعض يبالغ في عاطفته فيبدو منه ما قد يستنكره الآخرون، وهذا ليس ذنب الأثر. ونحتاج هنا إلى إرشاد وتوجيه لتكمل الاستفادة من الأثر بما يحب الله ويرضى. والبعض يبالغ سلبًا بمشاعر الخوف مما قد ينتج عنها من بدعٍ أو شركٍ- العياذ بالله- بإزالة الأثر. فيكون كمن ينظر إلى المرآة ولا يعجبه ما يرى، فيحاول أن يغير في المرآة، والأسوأ أنه قد يكسرها؟ والمرآة هي انعكاس للإنسان الذي عليه أن يعيد ترتيب نفسه. وليس التخلص من المرآة. ويصل الخلاف بين الجانبين إلى أن يتهم البعض بالبدع والشرك والآخر يتهم بعدم محبة الرسول.
والآن تجاوزت الحالة مرحلة الإهمال إلى مرحلة الإزالة؛ فلو كان أهمال فقط فهو أفضل من الإزالة. وقبل إزالة أي أثر حتى لو كان للضرورة كان لزامًا كما هو متبع في العالم كله أن تدرس البدائل ويجب أن لا تكون على حساب مسح الذاكرة التاريخية وتغيير المعالم. كذلك طرح المسألة كاختيار بين أمرين لا ثالث لهما إما الإزالة أو التضييق على الناس؛ هذه الثنائية سطحية وغير صحيحة. فالله عز وجل أعطانا العقل للبحث عن الحلول والبدائل وهي موجودة ومن الممكن تطبيقها. والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا سيكون عذرنا أمام الأجيال القادمة وأمام الأمة؟
أنت تعاملت وتواصلت مع المسؤولين في الدولة على أعلى مستوى، كيف تقيم اهتمامهم بالآثار؟
هنا استشهد بكلام الملك فهد رحمه الله حين قال عندما كنا نعمل على اقتراحات لمسجد قباء وعند وضع حجر الأساس قال: "نزيد ولا نزيل"، فالتطوير والتحديث يكون بالزيادة وليس بالإزالة، وعدم إزالة الشيء يدل على الاهتمام. وقبل الملك فهد كان المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله أقر بناء "مكتبة مكة" في نفس مكان مولد النبي عليه الصلاة والسلام وبيت السيدة خديجة (رضي الله عنها)، ولم يأمر بإزالة المكان مما يعد إقرارًا منه. ومن الأمراء الذين تعاملت معهم مثل الأمير نايف والأمير ماجد رحمة الله عليهم أجمعين، والأمير سلمان والأمير أحمد أبناء عبدالعزيز والأمير فيصل بن عبدالله والأمير سلطان بن سلمان، والعديد من أصحاب السمو، كان لهم اهتمام بالغ بالآثار. وهناك نظام للآثار اعتمد من مجلس الوزراء في عهد الملك فيصل رحمه الله وهو نظام جيد وشامل وهيئة الآثار والسياحة تحاول أن تطبقه.
ألا يمكن أن تقوم جمعيات أهلية من وجهاء أهل الحجاز وتقوم بدور التوعية والتخاطب مع المسؤولين في موضوع الآثار؟
حقيقة هناك تقصير منا جميعًا ابتداءً بأهل الحجاز وعموم أبناء المملكة والعالم الإسلامي
دكتور لديك حلم مشروع لعمل بنك معلومات بآثار مكة والمدينة ترتبط فيه المعلومة الموثقة بالصورة بالخريطة، أين وصل هذا المشروع؟ وكيف تعملون عليه؟
هذا لا أعتبره حلم وإنما واجب وفرض عين على كل مقتدر علمًا وجهدًا ومالًا.
وما تبقى لي من عمر سأحاول- بإذن الله- وأقنع الآخرين مثل ما حاولت مبكرًا إيجاد مركز أبحاث الحج للوصول إلى حلول عملية، ولو عاد بي الزمن لعملت بشكل أكثر تركيزًا على تسجيل وتوثيق الآثار أكثر من عملية إيجاد حلول، لأني لم أتصور أن يصل الحال إلى ما وصل إليه من الإزالات والإلغاء للتاريخ، والذي يصل أحيانًا لدرجة الطمس. ومشروعي الآن إنشاء مؤسسة تعليمية مستقلة باسم (المكية المدنية للتصميم الحضاري) تهتم بعمل بنك معلومات متكاملة عن مكة والمدينة، كما ستهتم بالأماكن والآثار والعمران المكي والمدني بشكل خاص والعمران والآثار الإسلامية بشكل عام، وسيكون لهذه المؤسسة فروع وباحثون من كل العالم الإسلامي. لأني أحرص على بلورة مدرسة فكرية تعنى بالإرث الحجازي بشكل خاص والإسلامي بشكل عام لمخاطبة العالم من خلاله حتى نتماشى مع توجهات الملك عبدالله- حفظه الله- في الحوار للتخاطب الحضاري. نحن ننطلق أيضًا من نفس الرؤية وأحاول استكمال ما لم أستطع إكماله في مركز أبحاث الحج.
دعني أنتقل بك إلى بعض الآثار التي عالجتها وعملت فيها؛ أنت عملت على تنقيب بيت السيدة خديجة رضي الله عنها، وهو بيت النبوة، كيف كان التنقيب عن بيت السيدة خديجة؟ كيف عملت فيه؟ وما الذي اكتشفته؟ وما الذي استخرجته منه؟
أكرمني الله تعالى بالتنقيب في هذا البيت النبوي الكريم في ظروف صعبة ولمدة أربعين يومًا فقط، وكان المفترض أن يكون العمل على مدى سنوات.
بدأ العمل مع بداية التوسعة في جهة ما بعد المسعى بين الصفا والمروة. وكنت مستشارًا في إمارة مكة المكرمة بعد مركز أبحاث الحج. وكان الأمير ماجد هو المسؤول في تلك الفترة وأخبرته برغبتي في القيام بهذا العمل فبدر منه ما يدل على الموافقة والتعجيل. مما يذكرني بما فعله الملك عبدالعزيز- رحمة الله عليه- عندما أشار إلى الشيخ القطان بموافقته على الحفاظ على مولد الرسول وبيت السيدة خديجة.
واكتشفنا أن البناء الذي بناه الشيخ القطان كان بين الحوائط القديمة بدون المساس بها أو إزالتها، كما كان يحدث في التاريخ من السابقين عندما كانوا يبنون في مناطق تاريخية كانوا يبقون على ما هو موجود ويبنون فوقه ووجدت هناك طبقات تاريخية وعاينت آثارًا من العهد العباسي وما قبله.
واكتشفنا كذلك توافقًا بين ما ورد على لسان الشيخ محمد سفر وغيره من أهل مكة وبين ما ورد ذكره في كتب السير والرحلات عن الأماكن والمساحات المذكورة. فعلى سبيل المثال ذكر في الكتب أنه على يسار النازل كان ما يسمى (المقعد) وهو مكان الضيوف لكن بحجم متواضع جدًا، ووجدنا ما يسمى (الدهليز)، إضافة إلى أن بجوار دار السيدة خديجة كانت دار أبو سفيان كما وصفت، وقد كانت تعرف عند أهل مكة ب(القباني)، ووجدنا في الدار بابًا لجهة دار أبي سفيان كما ورد في الأزرقي أن معاوية اشتراها من عقيل وفتح فيها بابًا إلى دار أبي سفيان، واتخذ فيها مسجدًا". والأزرقي من علماء القرن الثاني الهجري. كما أن نفس الطبقات التاريخية موجودة ولها صور وخرائط ورسومات توضحها.
وهناك بعض الآثار المادية في كل طبقة وما تحويه من أجزاء يمكن أن تعمل لها اختبارات دقيقة بتقنيات عالية للاستدلال على التواريخ والمحتوى البيولوجي لها، بالإضافة إلى قطع المنسوجات والفخاريات. كل ذلك عملنا فيه تقريرًا بالصورورفعناه إلى الجهات المختصة.
هل يمكن أن توجد مثل هذه القطع؟
لا يوجد لديّ أدنى شك بأن ما فعله الشيخ القطان بموافقة الملك عبدالعزيز جزاهما الله خيرا- في البناء بطريقة تحافظ على الأثر في هذين الموقعين (دار السيدة خديجة ومولده صلى الله عليه وسلم) وأنه إذا تم تنقيب بطريقة علمية متأنية في مكان مولده صلى الله عليه وسلم لوجدنا آثارًا تدلنا على المراحل التاريخية وصولا إلى فترة حياته صلى الله عليه وسلم.
مكان المولد النبوي
لكن كيف استدليتم أن هذا هو بيت السيدة خديجة الذي عاش فيه النبي عليه الصلاة والسلام؟
أولًا من التواتر؛ فقد أخذت هذا الخبر من الشيخ محمد سفر -رحمة الله عليه- الذي عاش ودرس في هذا المكان، وقد وصف لي المكان وغيره من أهل مكة الذين أكدوا أن هذا المكان الذي درسوا فيه -وقد كان مدرسة تحفيظ القرآن- هو بيت النبوة. ثانيًا استدلينا من الكتب التي أوردت هذه الأماكن بدءًا من الأزرقي وصولًا إلى البتانوني آخر من زار المكان ورسم خريطة تقريبية. وقد ردمت بقايا الآثار بالرمل حتى نحافظ على تلك الآثار، ويمكن في المستقبل بحث تلك الآثار والتنقيب عنها.
وماذا عن مكان مولده عليه الصلاة والسلام، والذي يسمى الآن "مكتبة مكة
الآثار المادية هي جزء من السيرة النبوية المحفوظة في الكتب وإلغاؤها أو طمسها هو إلغاء وطمس لجزء من السيرة النبوية ولتاريخ النبي عليه الصلاة والسلام، وإلغاء لبشريته عليه الصلاة والسلام، وعندما يقرر القرآن بشريته يأتي السؤال: أين ولد هذا البشر؟ كل الناس يعرفون مولدهم وأماكن نشأتهم إلا الرسول عليه الصلاة والسلام لا نعرف مكان مولده؟! هل هذا يعقل؟
وهذا آخر ما تبقى من أماكن لإثبات وجوده صلى الله عليه وسلم كبشر. ولو أزيل كما أزيلت غيره من الآثار فسنكون قضينا على آخر ما تبقى من تاريخينا العتيق. والأثر دليل واقعي على صحة الوقائع. والإزالة تؤدي إلى ذريعة كبيرة وهي أن الأحداث والوقائع مفتعلة وأنها أسطورة أو رواية لا أصل لها. والآن عندما نحضر مؤتمرات في الخارج يقولون لنا "إن أقدم ما لديكم في مكة عمره (100) سنة". وإزالة هذه الآثار ووضع بدلًا منها الخراسانيات والمباني يحول مكة إلى مكان من غير عتاقة كما نقول في دعائنا "يارب هذا البيت العتيق"، فعتاقة الكعبة من عتاقة المكان.
العمارة الحجازية
دكتور أنت ابن الحجاز، ورسالتك في الدكتوراة عن المعمار الحجازي الإسلامي، ما أبرز ملامح المعمار الحجازي؟
الدكتوراة كانت تحت عنوان "العمارة المكية" من جامعة لندن تتناول المعمار الحجازي كترجمة فعلية ل "التنوع والتوحيد" في الحضارة الإسلامية. وهذه سمة الطبيعة أيضًا التوحيد والتنوع؛ فالتنوع يأتي من تنوع الجنسيات والأعراق والعادات والحرف والصناعات واللهجات التي اختلطت في مكة، فمكة بوتقة تجميع وليس انصهارا، لأن كل واحد يبقى على جنسيته وعرقه؛ الهندي والبخاري والمصري والحجازي والنجدي؛ فكل من يأتي إلى مكة يحتفظ بهويته ولكن يعطي ويأخذ من الهويات الأخرى؛ فيحصل المزج العجيب الذي تتميز به مكة والمدينة والحجاز بصفة عامة؛ فمكة فيها من القبائل العريقة الهاشمية وغيرها، وفيها من قبائل وشعوب الأرض، وكلهم قد تجاوروا وتجانسوا من غير تعالي أحد على أحد. من هنا جاءت عمارة مكة وتميزها بالتنوع الجميل الذي حضر إليها من كل أنحاء العالم الإسلامي، وامتزج مزجًا لا تجده في أي بقعة في العالم الإسلامي. والعمارة الحجازية بدأت منذ (5000) عام، منذ بناء الكعبة، وعندما تهدمت في بعض الحقب التاريخية بنت قريش حوائطها على طريقة بنيان أهل الشام صفا من حجر وصفا من خشب. هناك أيضًا عين زبيدة منذ ما يربو عن الف عام التي أنشئت بأسلوب معمارهندسي رائع أوصلت بها الماء إلى كل مكة. وقد اكتملت مكة المكرمة كحاضنة للحضارات منذ العصر الأموي مرورا بالعباسي وصولا للعثماني، وتغير كل شيء في عصرنا الحديث.
دكتور كيف ترتبط العمارة ببيئة الإنسان وواقعه، وهل هي فعلًا تعكس ثقافته؟
بالتأكيد، هناك علاقة بين النسيج العمراني والعلاقات والمشاعر الإنسانية، والعمران هو انعكاس لحياة الناس وعلاقتهم ببعض؛ فمثلًا عندما يكون نسيج العلاقات الإنسانية مترابطا وقويا ستجد أن البيوت متقاربة ومنفتحة للآخر، أما حين يكون تصميمها متباعدا ومنعزلة عن بعضها فيعكس الجفوة بين الناس، أو عندما تجبرهم على السكن في عمائر متطاولة لتجني أكبر قدر ممكن من المال فقط، لذلك نحن نتطاول في بنيان مكة والمدينة بما لا يحقق مقاصد الحج ومنافعه وكرامة المكان ولا مقاصد الحج ويتعارض مع طبيعة خلق الله في حرمه وروحانية المكان التي أكد عليها الملك عبدالله- حفظه الله- في قوله عندما عرض عليه مشروع توسعة المسجد الحرام وظهر في التلفزيون مرددا "روحاني..روحاني".. أين هذه الروحانية اليوم؟
الحج ودراساته
دكتور تقول في مقابلة لك سابقة: "إن العمل الحالي على الحج يركز على الجانب المكاني فقط وكيفية استيعاب أعداد الحجيج، بينما ركزنا في جميع مراحل عملنا- حين كنت مديرًا لمركز أبحاث الحج- على المكونات المكانية والزمانية وعدد الحجاج. هل لك أن تشرح لنا ذلك؟
نعم، هذه ليست مقولة لي وإنما ما تقوله دراسات مركز أبحاث الحج، ومركز أبحاث الحج الذي وافقت الدولة على إنشائه كان واحدًا من أهم أهدافه "الحفاظ على البيئة الطبيعية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة كما خلقها الله، والحفاظ على البيئة الإسلامية لمكة المكرمة والمدينة المنورة"، وهذا صدر بحقه قرار وزاري، وهدف آخر ومهم هو عمل بنك معلومات، وعمل نماذج محاكاة حسابية، وهذا الكلام قبل أكثر من 40 سنة، وكنا على درجة متقدمة من الوعي العلمي. ووجدنا حلولًا كثيرة للمحافظة على الآثار مع تطوير خدمات الحج واستيعاب الأعداد المتزايدة، وللأسف لم ينفذ من أبحاث المركز أكثر من 10% من الدراسات المقترحة والكثير منها قابل للتطبيق حتى الآن. والحل بالنسبة للإسكان هو ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام في سنة تخطيطية، وأشرح ذلك بالتفصيل:
الرسول عليه الصلاة والسلام أعطانا الحل؛ عندما حج أقام بالأبطح خارج منى وبعيدًا عن وسط مكة ب (5) كيلو تقريبًا، وكان أهل مكة يتمنون أن يحل عندهم في بيوتهم لكنه قال فيما معناه: "ابقوا مكة لأهلها"، وهو بهذا يسن سنة أن يبقى الحجيج خارج مكة، وهذه سنة تخطيطية نبوية، وهذا ما تصنعه الدول المتقدمة تبقي الأماكن القديمة والتاريخية ويقيمون خارجها ويوصلون بينها. إضافة إلى التدابير التي يمكن أن تؤخذ مع الحجيج؛ فالرسول لم يصل كل الفروض في الحرم، كما أنه لم يكن يطوف ويسعى كل يوم، وما يحصل الآن هو مبالغات من الناس، فنحن نسهل لأقلية على حساب الأغلبية. فاثنين مليون ليس بإمكانهم الإقامة في المنطقة المركزية والأبراج، حتى الأبراج لو عمرت في كل المنطقة المركزية لن تستوعب أكثر من (500) ألف، وهذا مثبت عندنا في دراسات بالأرقام والقياسات. أرجع وأقول يجب التعامل مع الحج كمنظومة يتكامل فيها عامل المكان والزمان والكثافة؛ فالمسافة بين عرفة ومزدلفة تساوي ما أسميه جهد عمرة، وبين مزدلفة ومنى أيضًا جهد عمرة، وبين منى ومكة عمرة ونصف العمرة تقريبًا، والنتيجة لهذا أننا يمكن أن ننظم الانتقال بين هذه المشاعر بما يسمى (السيولة)، مثل ما يطبق في نظرية "الأواني المستطرقة" وهي عبارة عن عدد من الأوعية مختلفة الأحجام، ومتصلة ببعضها بأنابيب وعندما تضع سائل في كل هذه الأوعية يتساوى الماء في كل الأوعية؛ فإذا ما طبقنا هذه النظرية مع نظرية المسافات السابق ذكرها نستطيع تفويج الحجاج بسهولة ويسر.
كل الصور خاصة بالدكتور سامي عنقاوي (أرشيف المكية المدنية).
المزيد من الصور :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.