من الصَّعب أن تدرك ما تأمله على أكف الراحة ، أو أن تنام وتنتظر السماء أن تمطر ذهبا وفضة فذلك محال ، فالكفاح هو الفرس الذي يمتطيه الفارس لكي يحلق في الآفاق ، ويقطف أغلى الثمار ، وقد قيل قديما في الشعر العربي : تريدون نيل المعالي رخيصةً ولا بد دون الشَّهد من إبر النَّحل وحلاوة الشيء تكمن في مزيد من الصَّبر وتحمل الاذى ، واحتساب ذلك عند الله عز وجل ، والسَّير في دروب النَّجاح بكل ثقة ، فإن من يسعى وراء هدفه النَّبيل لا يستطيع ان يعيقه عن ذلك عائق ، ولا يثبِّط عزمه أمر من الأمور ، وكما قال الأول : والصَّبر مثل اسمه مرٌّ مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل قد تتفاوت همم البشر ، لكنها في حقيقتها راسخة في الوجدان رغم اختلافها وتنوع اتجاهاتها ، فالهمة نحو العلياء امر تتجاذبه الصعاب والعقبات وتحوطه المشاق ، ولكنها محبَّبة إلى النفس ، لا يجد المرء في سبيلها سوى اللذة والمتعة ، وقد قيل : ومن تكن العلياء همَة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبَّب أحيانا تجد النفوس الكبيرة التي ترنو الى العلياء ، وهتافها هتاف المجد ، فهي تبذل ولا تنتظر الشكر ، وتقدم غاية جهدها في سبيل تحقيق السعادة للآخرين ، ورسم الابتسامه على وجوههم ، فالفقير يجد لديها العطاء ، والمحروم يلقى المساعدة ، واليتيم يجد اليد الحانية التي تحيل جفاف العاطفة الى أنهار وجداول ، والشيخ الكبير يجد التوقير والتبجيل والاحترام ، والأم المكلومة تجد فيضاً من الرحمةِ والعطاء والمواساة ، وصدق أبو الطيب حين قال : واذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجساد ان في قصَّة المقنَّع التي صاغها شعراً ما يمثل رقي أخلاقه ، وعلو مكانته ، وحبه لأهله وذويه من أبناء عمومته وإن أساءوا اليه ، ومنها قوله : فإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وان هم هووا غيبي هويت لهم رُشدا وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا ولا أحمل الحقد الدفين عليهم وليس رئيسُ القوم من يحمل الحقدا وأما الإحسان إلى الآخرين فهو مرحلة من مراحل السُّمو ، وجانب يجلب مودة القلوب واستمالتها ، وقربها ممن أحسن إليها ، وصدق أبو الفتح البُستي حين قال : أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان وهي دروس واقعيَّة يستخلصها الإنسان مع واقع المجتمع ، ويكتسبها من التجارب الإنسانية التي عاشها الاولون ، وسطورها بأحرف من ذهب . *الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية